للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.

فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولًا، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيًا؟ وأفضل الفكر الفكرُ في ذلك؛ فإنه يسيِّر القلب إلى الله، ويطرحه بين يديه ذليلًا خاضعًا، منكسرًا كَسْرًا فيه جَبْرُهُ، ومفتقرًا فقرًا فيه غناه، وذليلًا ذلًّا فيه عِزُّه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل، فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن القاسم: حدثنا صالح المُرِّيُّ، عن أبي عمران (١) الجَوْني، عن أبي الجَلد: أن الله تعالى أوحى إلى موسى: «إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعًا مطمئنًّا، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يديّ فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذُمَّ [٢٧ ب] نفسك فهي أولى بالذم، وناجِني حين تناجيني بقلب وَجِلٍ ولسان صادق» (٢).


(١) ح: «ابن أبي عمران».
(٢) الزهد لأحمد (ص ٦٧)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦١/ ١٤٨)، ورواه أحمد أيضًا (ص ٨٦ - ٨٧) عن يزيد بن هارون عن صالح به، ورواه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٥٥) من طريق أحمد عن يزيد وهاشم بن القاسم عن صالح به. ورواه الدينوري في المجالسة (٢٢٢٤) عن إبراهيم بن حبيب عن داود بن رشيد قال: بلغني عن أبي عمران الجوني أنه قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى ... وذكره بنحوه، ومن طريق الدينوري رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦١/ ١٤٧).