فهذا من السلطان الذي له على أوليائه وأهل الشرك، ولكن ليس له على ذلك سلطان حجةٍ وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرَّد دعوته إياهم، لمَّا وافقت أهواءهم وأغراضهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم، ومكّنوا عدوَّهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا بأيديهم واستأسروا له سُلّط عليهم عقوبةً لهم!
وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}[النساء: ١٤١]، فالآية على عمومها وظاهرها، وإنما المؤمنون يصدر منهم من المعصية والمخالفة التي تضادُّ الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيلٌ، بحسب تلك المخالفة، فهم الذين تسبَّبُوا إلى جعل السبيل عليهم، كما تسبّبوا إليه يوم أُحد بمعصية الرسول ومخالفته.
والله سبحانه لم يجعل للشيطان على العبد سلطانًا حتى جعل له العبد سبيلًا إليه؛ بطاعته والشرك به، فجعل الله حينئذٍ له عليه تسلطًا وقهرًا، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ [٣١ أ] إلا نفسه (١).
فالتوحيد والتوكل والإخلاص يمنع سلطانه، والشرك وفروعه يوجب سلطانه، والجميع بقضاء مَنْ أزِمَّة الأمور بيديه، ومَردُّها إليه، وله الحجة البالغة، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، لكن أبتْ حكمته وحمده وملكه إلا ذلك: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية: ٣٦، ٣٧].
(١) كما في الحديث القدسي المشهور الذي أخرجه مسلم (٢٥٧٧) عن أبي ذر.