وكذلك ترى أحدَهم لا يصلي إلا على سجادة، ولم يُصلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سجادة قط، ولا كانت السجادة تُفرش بين يديه، بل كان يصلي على الأرض، وربما سجد في الطين، وكان يصلي على الحصير، فيصلي على ما اتفق بَسْطُهُ، فإن لم يكن ثمة شيء صلى على الأرض.
وهؤلاء اشتغلوا بحفظ الرسوم عن الشريعة والحقيقة، فصاروا واقفين مع الرسوم المبتدعة، ليسوا مع أهل الفقه، ولا مع أهل الحقائق، فصاحب الحقيقة أشد شيء عليه التقيُّدُ بالرسوم الوضعية، وهي من أعظم الحُجُب بين قلبه وبين الله، فمتى تقيَّد بها حبس بها قلبه عن سيره، وكان أحسن أحواله الوقوف معها، ولا وقوف في السير، بل إما تقدُّمٌ وإما تأخُّرٌ، كما قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[المدثر: ٣٧]، فلا وقوف في الطريق؛ إنما هو ذهاب وتقدم، أو رجوع وتأخر.
ومن تأمّل هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وجده مناقضًا لهدي هؤلاء؛ فإنه كان يلبس القميص تارة، والقَباء تارة، والجُبَّة تارة، والإزار والرداء تارة، ويركب البعير وحده، ومُرْدفًا لغيره، ويركب الفرس مُسْرَجًا وعُرْيانًا، ويركب الحمار، ويأكل ما حضر، ويجلس على الأرض تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى البساط تارة، ويمشي وحده تارة، ومع أصحابه تارة. وهَدْيه عدمُ التكلّفِ وعدمُ التقيد بغير ما أمره به ربه، فبين هديه وهدي هؤلاء بَوْن بعيد.