أنها ثلاث احتياطًا، فنعم هذا قول مالك، فكان ماذا؟ أفحُجّةٌ هو على الشافعي، وأبى حنيفة، وأحمد، وعلى كُلّ من خالفه في هذه المسألة؟ حتى يجب عليهم أن يتركوا قولهم لقوله.
وهذا القول مما يُحتج له، لا (١) مما يحتج به.
على أن هذا ليس من باب الوسواس في شيء، وإنما حجة هذا القول أن الطلاق يوجب تحريم الزوجة، والرّجْعَةُ ترفع ذلك التحريم، فهو يقول: قد تيَقّن سبب التحريم، وهو الطلاق، وشكّ في رَفْعِه بالرجعة، فإنه يحتمل أن يكون رجعيًّا فترفَعُهُ الرجعة، ويحتمل أن يكون ثلاثًا فلا ترفعه الرجعة، فقد تيقّن سبب التحريم، وشكَّ فيما يرفعه.
والجمهور يقولون: النكاح متيقن، والقاطع له المزيل لِحلّ الفرج مشكوك فيه، فإنه يحتمل أن يكون المَأْتِيُّ به رجعيًا فلا يزيل النكاح، ويحتمل أن يكون بائنًا فيزيله، فقد تَيَقَّنَّا يقين النكاح، وشككنا فيما يزيله، فالأصل بقاء النكاح حتى يُتَيقّن ما يرفعه.
فإن قلتم: فقد تيقن التحريم وشكَّ في التحليل.
قلنا: الرجعية ليست بحرام عندكم، ولهذا تجوّزون وطأها، ويكون رجعةً إذا نوى به الرجعة.
فإن قلتم: بل هي حرام، والرجعة حصلت بالنية حال الوطء.
قلنا: لا ينفعكم ذلك أيضًا؛ فإنه إنما تيقن تحريمًا يزول بالرجعة، لم يتيقن تحريمًا لا تؤثر فيه الرجعة.