وعند مالك يحنث بأمر آخر، وهو الشك حال اليمين، سواءٌ تبين صدقه أم لا.
وأبلغ من هذا أنه يحنِّث من حلف بالطلاق على إنسانٍ إلى جانبه أنه إنسان أو حجرٍ أنه حجر، ونحو ذلك مما لا شك فيه.
وعمدته في الموضعين: أن الحالف هازل؛ فإن من قال: أنت طالق إن لم تكوني امرأة، أو إن لم أكن رجلاً، لا معنى لكلامه إلا الهَزْلُ، فإن هذا مما لا غرض للعقلاء فيه.
قالوا: وإن لم يكن هذا هزلاً فإن الهزل لا حقيقة له.
وربما عللوا الحنث بأنه أراد أن يجزم الطلاق، ثم ندم، فوصله بما لا يفيد ليرفعه.
وأما في القسم الأول: فأصله فيه تغليب [٤٨ أ] الحنث بالشك، كمن حلف ثم شك: هل حنث أم لا، فإنهم يأمرونه بفراق زوجته، وهل هو للوجوب أم للاستحباب؟ على قولين: الأول لابن القاسم، والثاني لمالك.
فمالك يراعي بقاء النكاح، وقد شككنا في زواله، والأصل البقاء.
وابن القاسم يقول: قد صار حلّ الوطء مشكوكًا فيه، فيجب عليه مفارقتها.
والأكثرون يقولون: لا يجب عليه مفارقتها، ولا يستحب له؛ فإن قاعدة الشريعة أن الشك لا يقوى على إزالة الأصل المعلوم، ولا يزول اليقين إلا بيقين أقوى منه أو مساوٍ له.