لا تجعل قبري وثنًا يعبد» تنبيه منه على سبب لحوق اللعن بهم، وهو توسُّلهم بذلك إلى أن تصير أوثانًا تُعبد.
وبالجملة؛ فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفَهِمَ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقاصده، جزم جزمًا لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه واللعن والنهي بصيغتيه ــ صيغة «لا تفعلوا»، وصيغة «إني أنهاكم» ــ ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربَّه ومولاه، وقلّ نصيبه أو عُدِمَ من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن هذا وأمثاله من النبي - صلى الله عليه وسلم - صيانةٌ لحِمَى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريدٌ له وغضب لربِّه أن يُعدَل به سواه.
فأبى المشركون إلا معصية لأمره، وارتكابًا لنهيه، وغَرّهم الشيطان بأن هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين، وكلما كنتم أشدَّ لها تعظيمًا، وأشدَّ فيهم غلوًّا كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد.
ولعَمْرُ الله مِنْ هذا [٥٤ أ] الباب بعينه دُخِلَ على عُبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دُخِلَ على عبَّاد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة، فجمع المشركون بين الغلو فيهم والطعن في طريقتهم، وهَدَى الله أهل التوحيد لسلوك طريقهم، وإنزالِهِمْ منازَلُهمْ التي أنزلهم الله إياها، من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم، وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم. وأمّا المشركون فعصوا أمرهم، وتنقَّصوهم في صورة التعظيم لهم.