للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله! إني نذرت أن أنْحَر (١) بِبُوانَةَ؟ فقال: «أبِها وثَنٌ من أوثان المشركين، أو عيد من أعيادهم؟»، قال: لا، قال: «فأوفِ بنذرك».

وكقوله: «لا تجعلوا قبري عيدًا» (٢).

والعيد: مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسمًا للمكان فهو المكان الذي يُقصد الاجتماع فيه وانْتِيابُه للعبادة أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنًى ومُزْدلِفَة وعرفة والمشاعِرَ جعلها الله عيدًا للحُنفاء ومثابةً، كما جعل أيام التعبُّد فيها عيدًا.

وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها، وعوّض الحنفاء منها: عيد الفطر، وعيد النحر، وأيام منًى، كما عوّضهم عن أعياد المشركين المكانية: بالكعبة البيت الحرام، وعرفة، ومنى، والمشاعر.

فاتخاذ القبور عيدًا هو من أعياد المشركين التي كانوا عليها قبل الإسلام، وقد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَيّدِ القبور، منَبِّهًا به على غيره.

فقال أبو داود (٣): حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع،


(١) ح: «أنحر إبلًا».
(٢) سيأتي تخريجه.
(٣) سنن أبي داود (٢٠٤٤)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (٣/ ٤٩١)، ورواه أيضًا أحمد (٢/ ٣٦٧) عن سريج، والطبراني في الأوسط (٨٠٣٠) من طريق مسلم بن عمرو الحذاء، كلاهما عن عبد الله بن نافع به، قال ابن تيمية في الاقتضاء (ص ٣٢١): «إسناده حسن، رواته كلهم ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه ... ثم إن هذا الحديث مما يعرف من حفظه ليس مما ينكر؛ لأنه سنة مدنية، وهو محتاج إليها في فقهه، ومثل هذا يضبطه الفقيه، وللحديث شواهد من غير طريقه، فإن هذا الحديث يُروى من جهات أخرى، فما بقي منكرا»، وصححه النووي في الأذكار (ص ١١٥) وفي غيره، وابن حجر في الفتح (٦/ ٤٨٨)، وحسنه ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص ١٢١)، وابن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، وهو في صحيح سنن أبي داود (١٧٨٠). ورواه أبو يعلى (٦٧٦١) من طريق أبي بكر الحنفي عن عبد الله بن نافع عن العلاء بن عبد الرحمن عن الحسن بن علي بن أبي طالب به مرفوعًا، قال ابن القيم في جلاء الأفهام (ص ٨٨): «رواية مسلم ابن عمرو أشبه».