للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن وهب (١): أخبرني سليمان بن بلال، عن كثير بن زيد، أنه سمع عبيد الله يقول للقاسم بن محمد: كيف ترى في الغناء؟ فقال له القاسم: هو باطل، فقال: قد عرفتُ أنه باطل، فكيف ترى فيه؟ فقال القاسم: أرأيت الباطل، أين هو؟ قال: في النار، قال: فهو ذاك.

وقال رجل لابن عباس: ما تقول في الغناء أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله، فقال: أفحلالٌ هو؟ فقال: ولا أقول ذلك، ثم قال له: أرأيت الحقّ والباطل، إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهبْ فقد أفتيتَ نفسَك (٢).

فهذا جوابُ ابن عباس عن غناء الأعراب، الذي ليس فيه مدح الخمر والزنى واللواط، والتشبيب بالأجنبيَّات، وأصوات المعازف والآلات المطربات؛ فإن غناء القوم لم يكن فيه شيءٌ من ذلك، ولو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول، فإن مضرّته وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير، وأعظم من فتنته؛ فمن أبطل الباطل أن تأتي شريعةٌ بإباحته.

فمن قاس هذا على غناء القوم فقياسه من جنس قياس الربا على البيع،


(١) ذكره بهذا الإسناد ابن عبد البر في التمهيد (٢٢/ ١٩٩). ورواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (٤٦) من طريق يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر قال: سأل إنسان القاسم ابن محمد عن الغناء، قال: أنهاك عنه وأكرهه لك، قال: أحرام هو؟ قال: انظر يا ابن أخي، إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء؟! ومن طريق ابن أبي الدنيا رواه البيهقي في الكبرى (١٠/ ٢٢٤) وابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٩/ ١٨٥). وذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص ٢٨٠) من طريق جعفر بن محمد عن القاسم بن محمد به.
(٢) لم أقف عليه.