للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كان هذا الشاعر المفتوقُ اللسان، الذي هابت العرب هجاءه خاف عاقبة الغناء، وأن تصل رُقيته إلى حُرمته، فما الظن بغيره؟

ولا ريب أن كل غَيور يُجنِّب أهله سماع الغناء، كما يُجنِّبهن أسباب الريب. ومن طَرَّق أهله إلى سماع رُقية الزنى فهو أعلمُ بالاسم الذي يستحقه.

ومن الأمر المعلوم عند القوم: أن المرأة إذا استعصت على الرجل اجتهد على أن يُسمعها صوت الغناء، فحينئذ تُعطِي اللَّيان.

وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدًّا، فإذا كان الصوت بالغناء صار انفعالها من وجهين: من جهة الصوت، ومن جهة معناه، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنجشةَ حاديهِ: «يا أنجشة! رويدًا رفقًا بالقوارير» (١). يعني النساء.

فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية: الدف، والشبابة، والرقص بالتخنث والتكسر؛ فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من [٧٠ ب] هذا الغناء.

فلعمرُ الله كم من حُرة صارت بالغناء من البغايا! وكم من حُرٍّ أصبح به عبدًا للصبيان أو الصبايا! وكم من غيور تبدّل به اسمًا قبيحًا بين البرايا! وكم من ذي غِنىً وثروةٍ أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا! وكم من مُعافًى تعرّض له، فأمسى وقد حلّت به أنواعُ البلايا! وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان، فلم يجد بُدًّا (٢) من قبول تلك الهدايا!


(١) رواه البخاري (٦١٤٩، ٦١٦١) ومسلم (٢٣٢٣) عن أنس بن مالك.
(٢) م: «تجديدًا».