للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبدو على صفحات وجهه بُدُوًّا خفيًّا، ثم يقوَى ويتزايد، حتى يصير ظاهرًا على الوجه، ثم يقوى حتى يَقلِبَ الصورة الظاهرة كما قلب الهيئة الباطنة، ومَنْ له فراسة تامة يرى على صور الناس مسخًا من صور الحيوانات التي تخلَّقوا بأخلاقها في الباطن، فقلّ أن ترى مُختالًا مكارًا مخادعًا خَتَّارًا إلا وعلى وجهه مِسْخة قرد، وقلَّ أن ترى رافضيًّا إلا وعلى وجهه مِسخة خنزير، وقلَّ أن ترى شَرِهًا نَهِمًا نفسه نفسٌ كَلْبِيَّةٌ إلا وعلى وجهه مِسخة كلب. فالظاهر مرتبط بالباطن أتمَّ ارتباطٍ، فإذا استحكمت الصفات المذمومة في النفس قويت على قلب الصورة الظاهرة.

ولهذا خوّف النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن سابقَ الإمام في الصلاة بأن يجعل الله صورته صورة حمار (١)؛ لمشابهته للحمار في الباطن؛ فإنه لم يستفد بمسابقة الإمام إلا فساد صلاته، وبطلان أجره، فإنه لا يُسَلِّم قبله، فهو شبيه الحمار في البلادة وعدم الفِطْنَة.

إذا عُرف هذا فأحقُّ الناس بالمسخ هؤلاء الذين ذُكروا في هذه الأحاديث، فهم أسرع الناس مسخًا قردةً وخنازير، لمشابهتهم لهم في الباطن. وعقوبات الربِّ تعالى ــ نعوذ بالله منها ــ جاريةٌ على وفق حكمته وعدله.

وقد ذكرنا شُبَه المغنِّين والمفتونين بالسَّماع الشيطاني، ونقضناها نقضًا وإبطالًا في كتابنا الكبير في «السماع» (٢)، وذكرنا الفرق بين ما يحرِّكه سماع الأبيات، وما يحرِّكه سماع الآيات، وذكرنا الشُّبهة التي دخلت على كثير من العُبَّاد في حضوره، حتى عدُّوه من القُرَب. فمن أحبَّ الوقوف على ذلك فهو


(١) كما في حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (٦٩١)، ومسلم (٤٢٧).
(٢) المطبوع بعنوان «الكلام على مسألة السماع».