للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثلاث كُنّ يُرْدَدْنَ على عهد رسول الله عليه الصلاة السلام إلى واحدة؟ قال: نعم. قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».

ورواية طاوس نفسه، عن ابن عباس ليس في شيء منها: قبل الدخول، وإنما حكَى ذلك طاوس عن سؤال أبي الصهباء لابن عباس، فأجابه ابن عباس بما سأله عنه، ولعله إنما بلغه جعلُ الثلاث واحدة في حق مُطلِّقٍ قبل الدخول، فسأل عن ذلك ابن عباس، وقال: كانوا يجعلونها واحدة؟ فقال له ابن عباس: نعم، الأمرُ على ما قلت.

وهذا لا مفهوم له، فإنّ التقييد في الجواب وقع في مقابلة تقييد السؤال، ومثل هذا لا يُعْتَبَرُ مفهومه.

نعم، لو لم يكن السؤال مقيدًا، فقيّد المسؤولُ الجوابَ، كان مفهومه معتبرًا، وهذا كما إذا سُئل عن فأرة وقعت في سَمْن، فقال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فألقُوها وما حولَها وكُلُوه» (١)، لم يدل ذلك على تقييد الحكم بالسمن خاصة.

وبالجملة، فغير المدخول بها فَرْد من أفراد النساء، فَذُكِرَ النساء مطلقًا في أحد الحديثين، وذُكِرَ بعض أفرادهن في الحديث الآخر، فلا تعارض بينهما.

وأما الحديث الآخر، فقال أبو داود في «سننه» (٢): حدثنا أحمد بن


(١) أخرجه البخاري (٢٣٥) عن ابن عباس.
(٢) سنن أبي داود (٢١٩٨)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (٧/ ٣٣٩)، وهو في مصنف عبد الرزاق (٦/ ٣٩٠)، قال أبو داود: «حديث نافع بن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جدّه أنّ ركانة طلق امرأته البتة فردّها إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحّ؛ لأنّ ولد الرجل وأهله أعلم به أنّ ركانة إنما طلق امرأته البتة فجعلها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- واحدة»، وقال النووي في شرح صحيح مسلم (١٠/ ٧١): «هذه الرواية ضعيفة عن قوم مجهولين، وإنما الصحيح منها أنه طلّقها البتة»، ورجّح غيرهما أنه طلّقها ثلاثًا، قال ابن تيمية كما في المجموع (٣٣/ ١٥): «أثبت أحمد حديثَ الثلاث، وبيّن أنّه الصواب». وسيأتي تخريج حديثِ ركانة الذي فيه أنه طلّق البتة.