للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبه قال من شيوخ قرطبة: ابن زِنباع شيخُ هُدًى، ومحمد بن بَقِيِّ بن مَخْلَد، ومحمد بن عبد السلام الخُشَني فقيه عصره، وأصْبَغُ بن الحباب، وجماعة سواهم من فقهاء قُرْطُبة.

وكان من حجة ابن عباس: أن الله تعالى فَرّق في كتابه لفظ الطلاق، فقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]، يريد أكثر الطلاق الذي يمكن بعده الإمساك بالمعروف، وهو الرجعة في العدة، ومعنى قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، يريد تركها بلا ارتجاع حتى تنقضي عدتها، وفى ذلك إحسان إليه وإليها إن وقع نَدَمٌ منهما، قال الله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]، يريد الندَمَ على الفرقة، والرغبةَ في المراجعة. ومُوقعُ الثلاث غيرُ محسن؛ لأنه ترك المندوحة التي وسّع الله تعالى بها ونَبّه عليها، فذكر الله سبحانه وتعالى لفظ الطلاق مُفَرَّقًا، فدلَّ على أنه إذا جُمع أنه لفظ واحد. فتدبَّرْه.

وقد يخرج من غير ما مسألة من الرواية (١) ما يدل على ذلك، من ذلك قول الرجل: مالي صدقة في المساكين، أن الثلث من ذلك يجزئه.

هذا كله لفظ صاحب الكتاب بحروفه.

أفَتَرى الجاهل الظالم المعتدي يجعل هؤلاء كلهم كفارًا مباحةً دماؤهم؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}! بل هؤلاء من أكابر أهل العلم والدِّين، وذنبهم عند أهل العمى أهل التقليد: كونهم لم يرضَوا لأنفسهم بما رضي به المقلدون، وردُّوا ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله.


(١) م: «المدونة».