للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتغليظ، فأمضاه عمر رضي الله عنه عليه، فلما تبين له بالأخرة ما فيه من الشر والفساد نَدِمَ على أن لا يكون حرّم عليهم إيقاع الثلاث، ومنعهم منه، وهذا مذهب الأكثرين: مالك، وأحمد، وأبي حنيفة رحمهم الله.

فرأى عمر رضي الله عنه أن المفسدة تندفع بإلزامهم به، فلما تبيّن له أن المفسدة لم تندفع بذلك، وما زاد الأمرُ إلا شدة، أخبر أن الأوْلَى كان عُدُوله إلى تحريم الثلاث الذي يدفع المفسدة من أصلها، واندفاع هذه المفسدة بما كان عليه الأمر في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وأول خلافة عمر رضي الله عنه أولى من ذلك كله، ولا يندفع الشر والفساد بغيره البتة، ولا يُصلِح الناسَ سواه.

ولهذا (١) لما رغب كثير من الناس عما كان عليه الأمر في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، احتاجوا إلى أحد أمرين (٢): إما الدخول فيما [٨٠ أ] لَعَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلَه، وتابَع عليه اللعنة، وإما التزام الآصار والأغلال، ورؤية حبيبه حسرة.

والذي شرعه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ودلّت عليه السنة الصحيحة الصريحة: يُخَلِّص من هذا وهذا، ولكن تأبَى حكمةُ الله تعالى أن يَفْتح للظالمين المعتدين لحدوده، الراغبين عن تَقواه وطاعته، أبوابَ التيسير والفرج والسهولة؛ فإن الله سبحانه إنما جعل ذلك لمن اتّقاه، والْتزم طاعته وطاعة رسوله، كما قال تعالى في السورة التي بَيّن فيها الطلاق وأحكامه وحدوده، وما شرعه لعباده فيه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢]، وقال فيها: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤]، وقال فيها: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ


(١) هنا انتهى الخرم الكبير في الأصل الذي بدأ في (ص ٥٠٠).
(٢) بعده في م: «لابد لهم منهما».