للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والضرار نوعان: جَنَفٌ، وإثم؛ فإنه قد يقصدُ الضّرار وهو الإثم، وقد يضارّ من غير قصد وهو الجنَف، فمتى أوصَى بزيادة على الثُلُثِ فهو مُضارٌّ، قصد أو لم يقصد، فللوارث ردُّ هذه الوصية.

وإن أوصى بالثلث فما دونه، ولم يُعلم أنه قصد الضرار، وجب إمضاؤها، فإن علم الوصي أن الموصي إنما أوصى ضرارًا لم يحلّ له الأخذ، ولو اعترف الموصي أنه إنما أوصى ضرارًا لم تَجز إعانته على إمضاء هذه الوصية.

وقد جَوّز سبحانه وتعالى إبطال وصية الجَنَف والإثم، وأن يُصلح الوصيُّ أو غيره بين الورثة والموصَى له، فقال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢]، وكذلك إذا ظهر للحاكم أو الوصي الجنَفُ أو الإثم في الوقف ومَصرفه، أو بعض شروطه، فأبطل ذلك، كان مُصْلحًا لا مُفسدًا، وليس له أن يُعِينَ الواقف على إمضاء الجَنفِ والإثم، ولا يصحِّح هذا الشرط، ولا يحكم به؛ فإن الشارَع قد رَدّه وأبطله، فليس له أن يصحِّحَ ما رده الشارع وحَرّمه؛ فإن ذلك مضادَّة له ومناقضة.

ومن ذلك: قوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (١) [النساء: ١٩]؛ فهذا دليل على أنه إذا عَضَلها لِتَفْتَدِيَ نفسها منه، وهو ظالم لها بذلك، لم يحلّ له أخذ ما بَذَلَتْه، ولا يملكه بذلك (٢).


(١) في الأصل: «إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله» وهو خطأ.
(٢) «ولا يملكه بذلك» ساقطة من م.