المدة يدّعيها لنفسه، ويزعمُ أنها له، ويريد أن يُقيم بينة بذلك: فدعواهُ غيرُ مسموعة أصلًا، فضلًا عن بينةٍ، وتُقَرّ الدار بيد حائزها.
قالوا: لأن كل دَعْوى ينفيها العرفُ وتكذبها العادةُ فإنها مَرفوضة، غير مسموعة، قال تعالى:{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}[الأعراف: ١٩٩]، وأوجبت الشريعة الرجوع إليه عند الاختلاف في الدعاوَى وغيرها.
قلت: ومما يدلّ على ذلك: أن الظنّ المستفاد من هذا الظاهرِ أقوَى بكثير من الظنّ المستفاد من شاهدين، أو شاهدٍ ويمين، أو مجردِ النُّكول، أو الردّ.
وأيضًا فإن البيَّنة على المدّعي، والبينةُ هي كل ما يُبَيِّن الحقّ، والعرف والعادة والظاهر القوي الذي إن لم يُقطع به فهو أقرب إلى القطع يدل على صدق الزوج، وكذب المرأة في إمساكها عن كسوتها والإنفاق عليها مُدّة سنين متطاولة، ولا يدخل عليها أحدٌ، ولا هي ممن تخرج تشتري لها ما تأكلُ وتشرب وتلبس.
فالشريعة جاءت بما يُعَرف لا بما ينكر، وقد أخبر الله سبحانه أن للزوجة مثل الذي عليها بالمعروف، وليس من المعروف إلزام الزوج بنفقة ستين سنة وكسوتها.
واجْتياحُ ماله كله، وسلبه نعمة الله عليه، وجعله مسكينًا ذا مَتْربة، وجعله أسيرًا لها: يُنافي ما ادَّعت به، بل هذا من أنكر المنكر، ومما يراه المسلمون بل وغير المسلمين قبيحًا.
وأيضًا فالرجل له ولاية الإنفاق على زوجته، كما له ولاية حبسها ومنعها