يَعْمَلُونَ} [يوسف: ٦٩]، فهذا يَدَلُّ على أنه عَرّف أخاه نفسه.
وقد قيل: إنه لم يصرِّح له بأنه يوسف، وأنه إنما أراد بقوله:{إِنِّي أَنَا أَخُوكَ}؛ أي: أنا مكان أخيك المفقود.
ومن قال هذا قال: إنه وضع السّقاية في رَحْل أخيهِ، والأخ لا يشعر بذلك.
والقرآنُ يدل على خلاف هذا، والعدل يَرُدّه، وأكثر أهل التفسير على خلافه.
ومن لطيف الكيد في ذلك: أنه لما أراد أخذ أخيه توصّل إلى أخذه بما يُقِرّ إخوتُه أنه حقٌّ وعدل، ولو أخذه بحكم قدرته وسلطانه لنُسِبَ إلى الظلم والجور، ولم يكن له طريق في دين الملك يأخذه بها، فتوصَّل إلى أخذه بطريق يعترف إخوته أنها ليست ظلمًا، فوضع الصُّواع في رحل أخيه بمواطأة منه له على ذلك، ولهذا قال له:{فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ومن لطيف الكيد: أنه لم يُفَتِّشْ رحالهم وهم عنده، بل أمهلهم حتى جَهَّزَهُم بجهازهم، وخرجوا من البلد، ثم أرسل في آثارهم لذلك.
قال ابن أبي حاتم في «تفسيره»(١): حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا سَلَمة عن ابن إسحاق، قال: أمهلهم، حتى إذا
(١) تفسير ابن أبي حاتم (١١٧٩٦)، ورواه أيضًا الطبري في تفسيره (١٩٥٢٢) عن ابن حميد عن سلمة بنحوه.