للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أيضًا عدولٌ عن المراد بتعذيبهم في الدنيا بها، وذهاب عن مقصود الآية.

وقالت طائفة: تعذيبهم بها أنهم يُعرَّضون (١) بكفرهم لغنيمة أموالهم، وسَبْي أولادهم؛ فإن هذا حكم الكافر، وهم في الباطن كذلك.

وهذا أيضًا من جنس ما قبله؛ فإن الله سبحانه أقرَّ المنافقين، وعصم أموالهم وأولادهم بالإسلام الظاهر، وتولّى سرائرهم، فلو كان المراد ما ذكره هؤلاء لوقع مراده سبحانه من غنيمة أموالهم وسبي أولادهم، فإن الإرادة هاهنا كونِيّة بمعنى المشيئة، وما شاء الله كان ولا بد، وما لم يشأ لم يكن.

فالصواب والله أعلم أن يقال: تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاب الدنيا ومحبِّيها ومُؤْثِريها على الآخرة، بالحرص على تحصيلها، والتعب العظيم في جمعها، ومقاساة أنواع المشاقِّ في ذلك، فلا تجد أتعب ممن الدنيا أكبرُ همِّه، وهو حريص بجهْده على تحصيلها.

والعذاب هنا هو الألم والمشقة والتعب، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «السفر قطعة من العذاب» (٢)، وقوله: «إن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه» (٣)؛ أي يتألم ويتوجع، لا أنه يعاقب بأعمالهم.

وهكذا مَن الدنيا كلُّ همِّه أو أكبرُ همِّه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أنس رضي الله عنه: «من كانت الآخرة


(١) في م: «يرضون»، وفي ح: «معرّضون».
(٢) أخرجه البخاري (٥٤٢٩)، ومسلم (١٩٢٧) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري (١٢٨٦)، ومسلم (٥٠٨)