مَرَّةٍ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ غِلْظَةِ رَجُلٍ قَطُّ مِثْلِ غِلْظَتِهِ عَلَيْهِمْ آخِرِ مَرَّةٍ، ثُمَّ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ أَنْ حَصَبَهُمْ بِالْحَصَا، وَقَالَ: قُومُوا، لا حَيَّا اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ يَضْرِبُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَيَقُصُّ عَلَى نَفْسِهِ مَا قَالُوا، وَقَالَ لَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيَقُولُ عُمَرُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ: نَعَمْ وَاللَّهِ مَا قُلْتُ، وَنَعَمْ وَاللَّهِ مَا قُلْتُ، ثُمَّ يَقُصُّ عُمَرُ مَا قَالُوا لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ وَقَالَ لَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: نَعَمْ وَاللَّهِ مَا قُلْتُ، ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ بَيْتَ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَبِعْتُهُ وَرَاءَهُ مُسْتَخْفِيًا حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِهَا، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّتَاهُ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ، قَالَ: فَدَخَلَ، وَأَظُنُّهَا لَقِيَتْهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ: أَلَمْ يُعْجِبْكِ بِقَوْمِكِ قَوْمَ السُّوءِ، جَاءُونِي فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، الْقَوْلُ الأَوَّلُ، فَأَجَبْتُهُمْ بِكَذَا وَكَذَا، فَأَبَوْا ذَلِكَ، وَطَلَبُوا كَذَا وَكَذَا، الْقَوْلُ الآخَرُ، فَسَبَبْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: يَا أَبَتَاهُ لَيْتَكَ لَمْ تَبْلُغْ هَذَا مِنْهُمْ، إِنْ كَانُوا لأَهْلَ حَقٍّ، قَالَ: فَلَدَمَهَا عُمَرُ بِيَدِهِ لَدْمَةً، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: فَسَمِعْتُ صَوْتَ اللَّدْمَةِ وَهُوَ يَقُولُ لَهَا، وَيَسُبُّهَا وَيَقُولُ: فَعَلَى اللَّهِ تَأَلِّي لَيْسَ
هَا هُنَا، تَنْصَحِينَ قَوْمَكِ وَتَغِشِينَ أَبَاكِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدَهَا، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ مِنَ الْغَدِ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِي إِلَيْكِ حَاجَةً، قَالَتْ: فَتَكَلَّمْ بِحَاجَتِكَ، قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهَا مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِيهَا وَمِنْهَا، قَالَتْ: أَوَ لَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ وَاللَّهِ سَمِعْتُ، قَالَتْ حَفْصَةُ: لا وَالَّذِي بَعَثَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بِمِثْلِ تِلْكَ الضَّرْبَةِ مِنْهُ، وَلا مِنْ غَيْرِهِ قَطُّ، وَلا ذَهَبْتُ إِلَى حَيْثُ ذَهَبَ أَبِي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، مَا أَرَدْتُ أَنْ أُقَبِّحَ قَوْلَهُ، وَلا أَنْ أُحَسِّنَ قَوْلَهُمْ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءُونِي فَكَلَّمُونِي كَالَّذِي كَلَّمُوهُ، فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ لا يَسْتَقِيمُ، فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَاكَ مِنِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَتُحِبُّونَ أَنْ آخُذَ لَكُمْ مِنْهُ مَوْعِدًا فِي مَجْلِسٍ تَخْلُونَ بِهِ فِيهِ، فَقَالُوا: نَعَمْ فَجَعَلْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ذَلِكَ الْمَوْعِدَ الَّذِي اتَّفَقُوا فِيهِ، فَجَاءَنِي يَشْكُوهُمْ إِلَيَّ لأَنِّي كُنْتُ كَلَّمْتُهُ فِيهِمْ، فَلَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي ذَلِكَ تَحْسِينَ قَوْلِهِمْ، وَلا تَقْبِيحَ قَوْلِهِ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَبِيتَ عَلَيْهِمْ فِي صَدْرِهِ تُهْمَةٌ لَهُمْ وَاسْتِغْشَاشًا، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْطَئُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي شُبْهَةٍ، فَفَجِئَنِي مِنْهُ مَا فَجِئَنِي يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute