للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقيق الأمنية أن يجري الماء جرياً غزيراً في شط الحلة على طول مدة السنة وهذا هو فكر السير وليم ويلكوكس وهو الفكر الذي يخرج اليوم إلى عالم الوجود منذ سنة ١٩٠٩.

أن أشغال السد تقدمت تقدماً عظيماً إذ إنها تنتهي في أواخر الخريف واليوم يجد المهندسون والعملة في إتمامها ولا يمكنني أن أخفي عليكم ما أقوله وهو: إني تعجبت غاية التعجب من فخامة هذا البناء المكين وضخامته وجلالته. وفي ظني إن هذا السد هو أعظم وأجل من

جميع الأسداد الموجودة في بلاد دولتنا العلية. ولقد عجبت من حسن محل الشغل الذي يستغرق أرضاً مساحتها ١. ٥٠٠. ٠٠٠ متر مربع ودهشت مما رأيت من عمالنا العراقيين المشتغلين هناك. فحقيقة هم أهل لأن أهنئهم بما رأيت منهم من شدة النشاط والنباهة والذكاء إذ كل ذلك يرى في كل ما يأنونه ويفعلونه مع أنهم لم يتخرجوا في مدارس أصحاب الفن ولا في مكاتب عليا بل ولا دنيا. فكيف بهم لو دخلوها وأتقنوا الفنون الراجعة إلى هذه الأعمال. وتحققت اليوم كما تثبت الأمر سابقاً إن لأبناء العراق من الذكاء الفطري والانتفاع من كل نور عصري ما قلما يرى في أهالي سائر البلاد إذ يتلقون بسهولة كل ما يشاهدونه بدون أدنى كلفة أو تعب. وسواء كانوا مرارين أو طيانين أو بنائين أو مشتغلين بالآلات فكلهم قد اكتسبوا في زمن قليل من حسن التصرف بأعمالهم وأشغالهم ما يقضي منهم بالعجب العجاب. ونحن ننسب تقدم هذه الطبقة من العملة إلى دراية مهندسي محل السير جون جاكصن وحسن آدابهم ورفقتهم بأبناء الوطن. كيف لا وقد أخذوا على أنفسهم بناء هذا السد وحسن معاملة أبناء هذه الديار لتكون الفائدة فائدتين: تعمير البلاد، ومجاملة العباد.

هذه الأمور ترى كلها روية حسية بل تكاد تمس بالأيدي ولهذا لا يمكن أن ينكر هذه الحقيقة البينة إلا من أعماه البصر وأغواه شيطان الفساد والحسد إذ المشاهد لا يستطيع إلا أن يقر صاغراً أمام هذه الإدارة العامرة التي أخذت على نفسها إبراز تلك الأمنية إلى حيز الوجود. ولقد شبهت محل الشغل بخلية عظيمة من خلايا النحل (أي بكورة زنابير العسل) إذ عددت فيها أكثر من ألفي عامل من كل صف وصنف بينهم من يحفر في الأرض، وآخرون يقطعون اللبن، وفريق يبني الجدران، ويقيمها على أسسها، وجماعة تسير الآلات المختلفة، وكثيرون يمشون

<<  <  ج: ص:  >  >>