للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو يدفعون عجلات السكك الخفيفة التي أنشئت لنقل التراب والمواد وأنواع المعدات. ورأيت في جميع المواطن ترتيباً عجيباً ونظاماً غريباً ولم أشاهد أبداً رجلاً قد انقطع عن شغله أو قد لها بغير وظيفته كما إني لم أبصر من أساء العمل أو أساء التصرف في ما بين يديه بل بالعكس رأيت كل شيء سائراً في مجراه الذي رسم له قبل الشروع به وباذلاً كل ما في وسعه ليحقق ما أطلع عليه فيتمه أو يحكم عمله على احسن ما يمكن أو أفضل ما يرام لكي يمنع كل تبذير في الوقت أو في المال أو في المعدات.

فلما اعتبرت كل ذلك قلت في نفسي: وكيف وجد أناس ينتقدون مثل هذه الأعمال. فقاتل الله أصحاب الأغراض ما أشد ضررهم على الوطن! يتكلمون بأشياء وعن أشياء لم يروها ولم يفقهوها! فليأتوا مثلي إلى هنا وليشاهدوها بعيونهم وليحكموا بعد ذلك بما توحي إليه أنفسهم. على أني أقول أنهم إذا شارفوها لا يتمالكون عن أن يعدلوا عن رأيهم الأول المعوج ويلقوا عنهم الآراء التي تلقوها عن بعض أصحاب المفاسد والغايات ويتمسكوا بما هو أقرب إلى الحق وأبين للعقل السليم. لا بل أقول بكل جراءة: إن كان في بناء السد بعض المغامز والشوائب (وهي ليست فيه) فيجب علينا مع ذلك أن نشكر الذين أنتجوا لنا هذه النتيجة وهي أن محل الشغل أصبح مدرسة تخرج فيها عملة عديدون من جميع الأصناف مهروا في صناعتهم كل المهارة وكانت البلاد في السابق خالية منهم، عارية من أمثالهم، ولا جرم أنهم يصبحون للعراقيين أمثلة حية لمحبة الشغل والجري على خطة معلومة وتحقيقها على الوجه الأتم المرضي مع إتقان العمل والصناعة التي تلقوها.

إن السد الحالي يبنى على أرض قارة تبعد نحو ٧٠٠ متر فوق السد القديم وشكله شكل جسر قائم على عقود مألوفة وطوله نحو ٢٥٠ متراً وعرضه بين الطوارين (أي بين التيغتين) ٤ أمتار وعدد الأبواب التي فيه ٣٦ وعرض كل منها ٥ أمتار وهذه الأبواب تكون من المعدن وتنزل إنزالاً كما ينزل السيف في القراب وأقربتها من الآهين (الحديد المصبوب) وتنزل فيها بواسطة آلات خصوصية تقام على الأطورة (التيغ) من جهة صدر النهر تسمى مرافع (جمع مرفعة) ويكون ارتفاع منبسط الماء الذي يمر خلال هذا السد ٦ أمتار في وقت

<<  <  ج: ص:  >  >>