للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لواء السليمانية

١ - مدخل البحث

لما كنت مغرماً بالبحث عن آثار بلادي وأحوالها، وما بلغته في سابق الأزمان، من الرقي والتقدم والعمران، مما جعل الأجانب يتحملون المشقات، ويبذلون الألوف من الليرات، فيأتون من بلاد نائية، وربوع قاسية، لرؤية ما أبقاه لنا أسلافنا من الآثار، والوقوف على ما كانت وصلت إليه تلك الربوع والديار، من التقدم المادي والأدبي، رأيت أن أسطر هنا مجمل ما علمته عن لواء السليمانية، الذي كان سابقاً مهبط الأمم الكبيرة، ومقر الأقوام التي شادت صروح العلم، وأعلت شأن الآداب، وما فيه اليوم من الآثار، والأبنية الفخمة، التي لم يبق منها سوى أطلال دارسة، وآثار مندثرة، تنطق بعظمة بانيها، ومدنية قدماء ساكنيها، بل أريد أن أبحث عما فيه من المعادن والمناجم الطبيعية، التي لو بذلت الهمة في استخراجها من بطون الأرض، لعادت على هذه الأمة التي تشكو الفقر المدقع، في بلاد هي أغنى بلاد الله، بمال وفير، وخير كثير، ورفاه وسعادة.

وليعلم القابضون على زمام الملك إن هذه البلاد لا ينقصها شيء سوى الأقدام والثبات والتساهل مع أغنياء البلاد على استثمار مناجم بلادهم، وتخفيف وطأة الرسوم التي تضربها على المنقبين والضامنين للمناجم المعدنية. خذ مثالاً على ذلك (حمام العليل أو حمام علي) بجوار الموصل ذلك الحمام الذي اتفق الأطباء المهرة، من أجانب، ووطنيين، وسياح وآثريين، على أنه لا نظير له في العالم، وهو يفوق كثيراً حمامات (مارينباد) في النمسا التي تقصدها، من كل فج وصقع الملوك، والقياصرة، والنظار، والأعيان والأغنياء من كل أمة وملة، للاستحمام به وقضاء عطلة الصيف فيه، فلو أن الحكومة اتخذت الوسائل المطلوبة، للاعتناء به، وتنظيمه على النحو ما هو جار في أوروبا لدر على الخزينة الذهب الوهاج، ولحصل الشعب على فوائد كثيرة، منها هذه المياه التي هي أحسن ما جاء من نوعها، يستشفى بها أرباب الأمراض، والعاهات الجلدية، وكم من أمثال هذه الحمامات في سليمانية وأطرافها وفي غيرها، مهجورة، متروكة، وهي تستغيث من بوارها فلا تغاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>