القراء مجمل الأنباء منذ أقرب عهد إلينا أي منذ عهد السيد سعيد بن سلطان لتقوم في الفكر صورة الحقيقة منذ نشأتها إلى هذا العهد. وقد استندنا في اغلب هذه الرواية على حضرة سليمان أفندي الدخيل صاحب الرياض فنقول:
كان لمسقط في عهد السيد سعيد بن سلطان شأن يذكر أصبحت فيه حاضرة إمارة كبيرة على سيف الخليج الفارسي تمتد على الثغور البحرية المجاورة لها حتى جزيرة البحرين التي لم تغلب عليها مع أنه حارب أهلها أشد المحاربة ومن الثغور التي كانت تضاف إلى الإمارة المذكورة لنجة وبندر عباس وما يجاورهما من البلاد الإيرانية الواقعة على خليج فارس. لا بل امتدت أجنحة إمارته إلى ساحل شرقي أفريقية مثل بلاد (لامو) و (منباسة) و (الانفزيجة) و (بندر السلام) و (هنزوان)(الجزيرة الخضراء) وزنجبار وغيرها.
وكان قد أقام حاضرتين وهما (مسقط) للبلاد الواقعة في بحري عمان وفارس (وزنجار) للأقطار الأفريقية. وعقد معاهدة مع والي البصرة ومثلها مع دولة الهند ليحافظ على استقلاله وأمور دياره حتى أن فرنسة أقرت له بلقب سلطان العرب أو إمبراطورهم وقد نالت رعيته من الرفاهية ورغد العيش ما لم تنله تلك الأقطار في سابق الأعصار، وكان له أسطول ذو حول وطول يمخر أبحر الهند وفارس وعمان. . .
بقيت تلك الدولة في نمو وزهو إلى أن توفى السعيد فانقسمت دولته بين أبنائه قسمين:
شطر عربي وشطر أفريقي، فكان الشطر الأفريقي نصيب السيد ماجد ومن بعده السيد برغش ووقع الشطر العربي حصة للسيد ثويني الذي قتله ابنه السيد سالم ليستولي على سلطنته، وما بدأ هذا الرجل بالقبض على زمام الأمر إلا واستعرت نيران الفتن واندلعت السنة اللهيب إلى تلك الديار ولم تخمد إلا بتغلب السيد تركي عليها وهو ابن السيد سعيد أخي السيد ثويني وبقيت الأمور تجري في مجراها إلى عهد السيد فيصل بن تركي السلطان العربي الحالي، فتقاسم الإنكليز والألمانيون تلك البلاد في معاهدات سنة ١٨٩٠ وأفضت ثغور فارس والبحرين والكويت إلى حماية الإنكليز. وهكذا أخذت البلاد تخرج من أيدي أصحابها.
ولما اخترع الإفرنج البواخر وسيروها على متان البحار وشحنوها آلات جهنمية وبقي العرب على حالتهم الأولى من اتخاذ السفن الشراعية أو ذوات المقاذيف ضعفت قواهم في المحاربة وتأخروا عن سائر الأمم التي كانت تزداد قواها بازدياد عدد بواخرها وبوارجها ومدرعاتها فاضطر أمير مسقط أن يسايس الإفرنج والإنكليز خوفاً من أن تفلت بلاده من يديه قهراً وقسراً بدون أن يتمكن من معارضة المتغلبين الطامحة أبصارهم إلى دياره. فاضطر إلى منع النخاسة (بيع الرقيق) ثم إلى منع بيع الأسلحة ثم إلى غير هذه المطالب مما أوغر صدور العرب عليه ودفعهم إلى الخروج عليه.
وأول من نفث في صدور الناس روح العصيان هو الشيخ عبد الله السلمي من (الشرقية) فإنه