المعاملات من جزائية أو حقوقية أو شرعية. أما المسائل التي تتعلق بالسياسة فليس للقاضي فيها دخل بل هي راجعة إلى الحاكم أو العامل فقط. ولهذا الحاكم شبه مجلس إدارة يشاور أعضاؤه في بعض الأمور وله الخيار بعد ذلك في أتباع ما يشيرون به عليه أو لا.
ومما يتعلق أمره بالقاضي كل ما من شأنه إصلاح حال الناس فيدخل في هذا الباب مسائل الديون والقسمة والإرث والمعاملات التجارية وشؤون الفلاحة والمبايعات على اختلاف أنواعها وما أشبه هذه من قيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وملاحظات الواجبات الدينية وغيرها. وليس للحاكم أو لمن يقوم مقامه خرق شيء يأمر به القاضي أو يجزم به مما تقدم ذكره ولا يحق له أن يعارضه في شيء ما.
وأما الأمور الراجعة إلى الحاكم أو العامل فهي الأمور السياسية كحفظ البلاد وصيانة حقوق الإمارة سياسةً وإدارة فهو من الجهة الأولى منفذ للأحكام الشرعية ومن الجهة الأخرى محافظ على حقوق الحاكمية ويتعلق به جباية الأموال وتجنيد الجنود ونشر جناح الأمن وإصلاح ذات البين بين قبيلة وقبيلة ومحافظة القوافل ونحو ذلك. - أما أعضاء المجلس فهم عبارة عن كبار البلد وأعيانها يستعين بهم وبأقوالهم عند جباية الأموال وجمع الزكاة والعشر وتوزيع الضرائب واتخاذ الأسلحة إلى غيرها وذلك إذا مست الحاجة إلى هذه
الأمور.
١٥ - إدارة أقوام البادية
لما كانت أحوال أهل البادية لا تشبه أحوال المتحضرين في أمور كثيرة ينتج أن شرائعهم تختلف عن شرائع أهل المدن. ولهذا تراهم يرجعون في شؤونهم إلى مصطلحات وسنن وعوائد ترتقي فيهم إلى قرون عديدة واغلة في القدم.
ومن جملتها (العارفة). والعارفة هو بمنزلة القاضي في المدن. فإذا احتاجوا إلى حسم مسألة ترافعوا إليه وحكموه فيها. - وأحكام العارفة غير منوطة بقانون ولا مربوطة برباط شرعي معروف بل هي عبارة عن طائفة من الأمور قد تواطئوا على تقريرها على وجهٍ يرضى المتخاصمين على ما أنتجه الزمان ومقتضيات الأحوال.