وما عدا العارفة يوجد قاضٍ شرعي دائم المقام بينهم من شانه إنه إذا أراد المتخاصمان رفع الدعوى إليه وارتضياه ذهبا إليه؛ إلا أن الأحكام إذا فصلت فصلاً باتاً على يد أحد هذين الاثنين (أي على يد العارفة أو على يد القاضي) لم يجز أو لم يحق بعد ذلك لأحد المتخاصمين أن يستأنف الدعوى عند الآخر الذي لم يذهب إليه. اللهم إلا إذ ظهر ظهور الشمس في رائعة النهار أن الحاكم أو العارفة قضى بما قضى لغرض أو ميل كان في نفسه فحكم بما يرجع إلى خير الخصمين فحينئذٍ يسوغ لأحد المتنازعين استئناف الحكم عند من لم يستفضه في أول الأمر. وإذا أبى أحدهما إلا الاستئناف فإن كان أنتظر في دعواهما راجعاً إلى العارفة فيسوغ له ذلك ولكن بشرط أن ترى تلك الدعوى عند عارفة أو قاضي قبيلة أخرى غير القبيلة التي تخاصما عند عارفتها أو قاضيها. وهذا كله لا يقع إلا نادراً لأن الشروط المفروضة على المتخاصمين ثقيلة الوطأة عليهما كأداء خسر لحاكم أو لعارف تلك القبيلة الثانية وتجشم نفقات يؤديها المغلوب للغالب وغير ذلك مما يثبط عزم الخصمين عن الترافع إلى عارفة أو قاضي قبيلة أخرى.
أما ما يتعلق بالأمور الدينية وقسمة التركة فمرجعها إلى القاضي بدون ريب. ومما يجب أن يعلم هو أن للحاكم أو للقاضي من هو أعلى منه بمنزلة أو مقاماً وهو شيخ القبيلة وفوق الشيخ الأمير أو الإمام بموجب خطورة الأحكام.
ولا بد أن يكون العارفة من بيت قديم معروف بهذا الشان كما أن الشيخ لا يكون شيخاً إلا
من بيت عرف بقدم الإمارة أو الشيخة.
وهناك أمر آخر وهو أن القبيلة البدوية إذا جاورت مدينة من المدن جرى عليها أحكام المدن. فإذا ظعنت سقطت عنها الأحكام. وهناك تفاصيل أخرى يطول شرحها تتعلق بالعارفة ربما عدنا إليها في فرصة أخرى.
١٦ - العاصمة والأحكام الجارية فيها.
وقبل أن نمسح القلم من مداد هذا البحث يحسن بنا أن نختم هذا الفصل بما يتعلق بشؤون الإمارة بعد نشوئها وبما يناط بها. - فاعلم قبل كل شيء إن للولاية الواحدة عدة نواحٍ والنواحي مربوطة بالأقضية والاقضية بالمتصرفيات