للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدأ يعبد الأوثان ثم تدرج رويداًُ رويداً في تنزيه معتقده حتى انتهى إلى التوحيد. وهو رأي يناقض التوراة مناقضة بينة. لأننا نعلم منها أن الله خلق الإنسان الأول منزهاً عن جميع الأوهام المادية والأدبية والعقلية لا بل وبما يتعلق بما وراء الطبيعة ثم لما سقط آدم في مهواة الخطيئة دبت إليه عقارب الفساد فغشيت أفكاره سحب الضلال فعبد الأجرام السماوية والأوثان كما نراه مثبتا في التوراة عن بني إسرائيل أنفسهم بعد أن اصطفاهم الله وميزهم عن سائر الأمم والشعوب. فالتوحيد سبق الوثنية كما أن الحقيقة سبقت الضلال والصواب سبق الخطأ والصلاح سبق الشر والصحة سبقت المرض. وكفى دليلاً على فساد آراء مؤلف الكتاب إنه بنى أقواله على تخيلات توهمها بدون دليل عقلي أو نقلي. فقد قال مثلا في ص ١٦ (نريد

أن نبين الآن أن إله العبرانيين (يهود) الذي تغلب علة كل الآلهة المعاصرة له وتفرد بالألوهية دونها لم يكن في الحقيقة إلا حجراً من هذه الأحجار (كذا) أي أسطوانة ترمز إلى الذكورة كان يراد بها الدلالة على جنس الشخص المتوفى ثم عم تقديسها عند اليهود). ثم قال وهذا الحجر (هو الحجر الذي خرج اليهود من مصر به) وقد أدمج بين هاتين العبارتين من الآراء الضعيفة المبنية على مجرد الوهم ما لا يقبله الطفل. وعلى كل فإن سلمنا جدلا أن اليهود لم يعرفوا التوحيد إلا بعد خروجهم من مصر فما القول في توحيد آدم ونوح وأولاده وإبراهيم وإسحاق وسائر من طووا بساط أيامهم قبل دخول بني إسرائيل مصر. وإذا كان ينقل عن التوراة بعض الأمور فلماذا لا يؤولها على ما هي بل يؤولها على ما توحيه إليه مخيلته فيأخذ منها ما يوافقه وينبذ منها ما لا يوافقه. - ومهما يكن من آراء الكاتب الأول فإننا لا نرى موجباً لنشرها بين ظهراني أقوام الشرف لعدم فائدتها. فما الذي يقصده المعرب من نشر هذه الأقوال؟ فكان يحسن به أن يذكر ذلك في مقدمة تصنيفه لتعرف الغاية من وضعه وبهذا القدر كفاية للبيب.

٣ - فهارس كتاب الأخبار الطوال (لأبي حنيفة أحمد بن داود

الدينوري)

(جمعها واعتنى بترتيبها وطبعها وتعليق مقدمتها أغناطيوس كراتشقوفسكي المعلم بالمدرسة الكلية الإمبراطورية في بطرسبورج. طبع بمطبعة بريل في مدينة ليدن المحروسة سنة ١٩١٢م)

لا يمكن للإنسان أن يحكم على عقل صاحبه ما لم يفاتحه ويجاذبه أطراف

<<  <  ج: ص:  >  >>