للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عظمه ووهنت قواه إلا أنه وأعدوه إلى ما لا غاية من ورائه بل حتى بلغ الذمار وحدث من هذا الحصار مجاعة أكره فيها المحاصرون على أن يأكلوا لحوم أبنائهم وبناتهم ضنا بالحياة.

وقد حاول العرب أن يشقوا لهم طريقاً في صفوف الأعداء إلا أن سعيهم ذهب أدراج الرياح فسلم أمراؤهم أنفسهم بشرط أن يستحوا فاستبقوا. . . .)

وقد جدد بناء هذه المدينة بخت نصر الكبير الذي شيد فيها أيضاً (بنو) هيكلاً جليلاً وأحاط الحاضرة كلها بنطاقين من الأسوار صداً لغارات العدو.

بقيت برس وسائر المدن المجاورة لها بيد خلفاء بخت نصر حتى جاء قاهر ممالك البغي والظلم كورش الكبير فدوخ مملكتي بابل وآشور من جملة ما ذلل لصولجانه وذلك سنة ٥٣٨ ق م ومنذ ذاك الحين انتقلت تلك الديار إلى الفرس وبقيت بأيديهم مدة طويلة.

ولما ظهرت راية الإسلام في العالم أخفقت أيضاً على هذه الأنحاء كما نوهنا بذلك في

مستهل هذا المقال وأخرب ما بقي من تلك المباني الجليلة واليوم لا يشاهد منها إلا ركام من الأنقاض والغالب فيها آجر أحمر أو قطع من الآجر قد غشت معظم الحيطان التي تتقوم منها أسس هذا البرج ذو الطباق. وعلى قمة هذا الركام يقوم سميط ثخين كل الثخن علوه قراب عشرة أمتار ومبني بالطاباق وقد ضم بعضها إلى بعض بل شدها شداً محكماً ملاط صبر علة نوائب الدهر وكوارثه لا القير كما قد يمكن أن يتصوره بعضهم.

وعند أسفل هذا الحائط صخور متكومة إذا فحصها الباحث عن قرب يراها قطعاً ندرت من الحائط وقد فعلت فيها بعض العوامل النارية فعلاً هائلاً لا يمكن إنكاره.

من ذلك: أن الآجر ملوي لياً بل مبروم برماً بدون أن يرى فيه البتة أثر كسر بل يبين انه مصهور صهراً. وقد علا غالب وجهه ضرب من الطلاء لا يعرف كنهه ولهذا اختلف العلماء فيه فمن قائل أنه من حريق وقع هناك. ومن ذاهب إلى أن صاعقة انقض عقابها على تلك الأكوام فصهرتها ذاك الصهر العجيب وليس هذا ببعيد في ديار العراق فإن انقضاض الصواعق على شواهق الأبنية معروف إذ لا تخلو سنة من السنين إلا ويقع حادث أو حادثان من هذا الجنس. فليحفظ.

ومما استوقف طائر بصرنا هناك مياه الفرات فإن تغير مجراه على الدوام وتنقله من موطن إلى موطن مما يحير له الفكر. فاليوم قد طفحت مياهه على الأرضيين المجاورة لقرب غوره وإندفان عقيقه بما يجره من الطين والغريل، وأصبح الذهاب من برس

<<  <  ج: ص:  >  >>