بنفسه وصمم على الرواح إلى القسطنطينية وإذا أحس به أحد فإنه يفدي نفسه لهذا السبيل فتزيا بزي درويش إيراني وذهب إلى إسلامبول ولما وردها تخارس لأن أهلها أيضاً منعوا دخول كل من يأتي من نواحي العراق كي لا يسمع السلطان بخبر سقوط بغداد فيسوق إليها الجنود ثم أن السويدي لما دخلها (أعني الأستانة) بقي متخفياً مدة أيام إلى أن توصل إلى خطيب جامع السلطان فظل عنده بصفة طالب علم وخادم له. وفي ذات يوم مرض الخطيب وكان يوم جمعة فلما حان أوان الخطبة والخطيب مريض لم يطق القيام فضلاً عن المسير فتحير في أمره ولما رأى السويدي منه ذلك اغتنم الفرصة وقال له: أنا أنوب عنك خطيباً هذا اليوم فسر بذلك الخطيب لما علمه من علم السويدي وفضله ثم ذهب إلى الجامع ولما رقى المنبر نادى بأعلى صوته: أيها المؤمنون المسلمون إن الدين قد ذهب وإن بغداد قد ضبطها الشاه عباس وربط خيله وبغاله في حضرات أئمتها وفعل من المنكرات مالا يوصف ولا يخطر على بال إنسان. فلما سمع الحاضرون كلامه ضجوا بالتكبير وأخذوا بالصراخ والعويل فأخذه السلطان إلى داره وأستقصه القصة من أولها إلى آخرها. ثم بعد ذلك نادى منادي السلطان في الأستانة أن لا يصحبه من عسكره إلا الكهول والذين يغرز المشط في لحاهم فأخذ الشبان والكهول لا غير وبعد أن تجمع العسكر، سار به قاصداً بغداد. ولما صار قرب سامراء، أراد أن يجعل عليهم قائداً محنكاً، ويذهب هو إلى بغداد متجسساً فأخذ يسأل كل من يرى فيه اللياقة للقيادة: أين بغداد؟ فيجيبه القائد: على بعد يوم منا مثلا، فيأمر بقطع رأسه ثم يسأل الآخر فيجيبه على بعد يومين فيأمر بقطع رأسه أيضاً وهلم جرا حتى قطع رؤوس جماعة من القواد وقد تحير الباقون في جوابه ثم باتوا تلك الليلة وكان عند أحدهم ابن في الثامنة عشرة من عمره ولشدة حبه إياه لم يطق فراقه فوضعه في صندوق يستطيع أن يتنفس فيه وأخذه معه وكان إذا جن الليل يخرجه من الصندوق ويجلس هو وإياه يتسامران وفي تلك الليلة رأى الفتى وجه أبيه متغيراً فقال له: ما بالك يا أبتي؟ فقال إني. سأقتل غداً. فقال: ولم؟ فقال إن السلطان ألقى على القواد سؤالاً وهو: كم المسافة بين سامراء وبغداد