وكل من أجاب من القواد بقليل أو كثير أمر بقتله وغداً دوري ولم أدري ما
الجواب لأني اعلم أن السلطان قاتلي لا محالة إن زدت أو نقصت فقال الغلام: أهذا يهمك يا أبتي؟ فقال له الوالد: وكيف لا يهمني يا بني سؤال فيه القتل فقال له إذا دعاك السلطان غداً وسألك عن المسافة فخذ اللواء بيدك وأركض بفرسك وقل بغداد تحت حافر هذا الجواد ولا بأس عليك. ولما كان النهار دعا السلطان القائد المذكور وسأله عن المسافة بين بغداد وسامراء ففعل القائد كما قال له ابنه فاستحسن ذلك السلطان وقال: الآن وجدت ضالتي ثم دعا ذلك القائد وقال له صدقني من علمك هذا ولك الأمان فقال أن لي ابناً أحبه حباً شديداً ولفرط غرامي به لم أطق فراقه فوضعته في صندوق وإذا جن الليل أخرجنه وسامرته (لأنك منعت ذلك وقلت من أتى بصبي قطعت رأسيهما) وفي هذه الليلة رآني ولدي في ضيق فسألني عن حالتي فقصصت له القصة فدبر لي هذا الأمر فقال له السلطان أين ابنك؟ فقال هاهو في الصندوق فقال ايتني به فأتاه به فلما رآه إستسماه فقال له الحدث اسمي كنج عثمان (أي عثمان الحدث) فقال له السلطان ألم تسمع أني أمرت بقتل كل من لا يغرز المشط في لحيته فكيف جئت إلا تخاف القتل؟
فقال يا حضرة السلطان أنا لست كما ترى بل أنا شيخ من الشيوخ فقال له السلطان إن كنت صادقاً فخذ هذا المشط واغرزه في لحيتك ولشدة خوفه من السلطان تناول المشط وأثبته في لحم خده فقال له السلطان أين لحيتك فأنا لا نراها في وجهك فقال لحيتي في داخلي (بطني) فقال له السلطان: كيف عرفت ذلك فقال له إني سمعت أنك تقتل كل من أخبرك عن المسافة سواء كانت بعيدة أو قريبة فعلمت أنك لا تريد أن تعرف المسافة ولكنك تريد أن تمتحن همم الرجال وأفكارهم. فقلت لوالدي هذا القول لأن الجواد إذا سار لا يبعد عنه شقة فكأن بغداد تحت حافره فقال له أنت طلبتي فولاه السلطان القيادة وأعطاه اللواء الكبير ثم أن السلطان مراداً ترك الجيش في سامراء وسار قاصداً بغداد راجلاً ولكنه تزيا بزي درويش إيراني لكي لا يعرف أو لا يظن فيه ظن سوء ثم إنه ما زال سائراً على رجله حتى ورد أرض عجوز هناك وضافها فاحتفلت به العجوز وقامت بضيافته (كما هي عادة الأعراب في خدمة الضيوف) ولما سار السلطان من عندها أراد أن يكرمها مكافأة لضيافتها إياه فقال لها ما الذي تريدين من الأراضي والعقار فإني صديق السلطان