للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١: إمارة السعود وقد تقدم الكلام عنها،

٢: إمارة الرشيد وهي التي نبحث عنها هنا،

٣: إمارتا القصيم وهما اللتان سنعقد لهما فصلاً خاصاً بهما.

٢ - موقع إمارة السعود

تبين مما تقدم إيضاحه أن مقام إمارة السعود هو في القسم الجنوبي من نجد وهي لا تزال كذلك، إلا أنه قد يتفق أن سنة تنازع البقاء تتسلط على تلك الربوع فتكون القوة تارة بجانبها - وحينئذٍ تتوفق لمد حكمها على نجد كلها بل تتناول أقسام الجزيرة الأخرى كعمان وهجر وتنتشر إلى اليمن والحجاز - وطوراً تنحصر في القسم الجنوبي وأطرافه وهذا في زمن الضعف والنحس.

٣ - موقع إمارة الرشيد

ما يقال عن إمارة السعود يقال عن إمارة الرشيد فأن هذه الإمارة قد تتوفق في بعض الأحايين في غزواتها وزحفاتها حتى تضاهي أختها، وقد يأفل نجم سعدها فتنحصر سلطتها في الإمارة نفسها وعاصمتها حائل وما حولها. وهذا في زمن الضعف والنحس.

٤ - مقام القصيم

أما القصيم فهي في حالة واحدة بدون زيادة ولا نقصان بدون طالع سعد أو نحس، بدون يسر أو عسر، فقد رضيت بنفسها وبقوتها ولا تخرج منها. وهي واقعة هدفاً لمنازعة تينك الإمارتين الكبيرتين فتكون دائماً نصيب الإمارة الغالبة. فإذا كان النصر حليف ابن السعود أصبحت في حوزته وإن خدم السعد ابن الرشيد كانت تحت حكمه. فهي من هذا القبيل

بمثابة اللسان من الميزان فأنه يميل دائماً إلى إحدى الكفتين الراجحة. فإمارتا ابن السعود وابن رشيد هما الكفتان والقصيم هي اللسان. - وبعبارة أخرى إن من انضمت إليه إمارة القصيم (أو إمارتا القصيم لأن لها إمارتين صغيرتين) رجحت كفته لأنها اكثر البلاد قوماً، وأعظمها تجارة، واشدها باساً، وقوة ومراسا.

٥ - القصيم مطمح أنظار الأميرين

ومما يجر بنا ذكره هنا أن هذه الإمارة (إمارة القصيم) هي مطمح أنظار الأميرين. وغاية أمانيهما وسبب تنازعهما على الدوام. إذ كل منهما يريد أن تكون له إلى ابد الدهر وقد يتفق بعض الأحيان أن تكون إحدى إمارتي القصيم لإحدى الإمارتين الكبيرتين المتناوئتين فتكون مثلاً. (عنيزة) (وهي الإمارة الجنوبية من إمارتي القصيم) في حوزة ابن السعود وتكون (بريدة) (وهي الإمارة الشمالية من القصيم) حظ ابن رشيد. وحينما يقع مثل هذا الأمر يصبح الخصام بين السلطتين شديداً حتى يبلغ أقصاه. وفي الغالب لا تهدأ الفتن والثورات والقلاقل حتى تكون كلتا إمارتي القصيم لإحدى الإمارتين الكبيرتين. فترجع إحدى القوتين على الثانية وتخمد نار الفتن.

والخصام يقوم بين هاتين الإمارتين بدون أن يكون صلح أو هدنة بينهما البتة إلا أن في هذه الأيام الأخيرة وقع من الحوادث ما كان لهما بمنزلة عظات هدتهما إلى أن يتفقا على الصلح والسلم ومحافظة الحقوق وأن يقلعا عن الحرب. إذ رأيا من المحال أن تمحو الواحدة الأخرى. أو تتغلب عليها تمام التغلب، وقد اتضح لهما أن انتصار الواحد على الأخر هو إلى اجل مسمى ثم تجم قوى المغلوب حتى ينكفئ على الغالب منتصراً. ومن غريب الأمر أن إمارة القصيم لم تتوفق للاستقلال بنفسها وإن بذلت كل ما في وسعها لتحقيق هذه الأمنية والسبب هو أنها لما كانت معرضة دائماً لبطش الإمارتين الكبيرتين كانت توجه جل مسعاها إلى الذب عن حياضها والى عدم الوقوع في يد إحدى هاتين الإمارتين المتناوئتين، ولهذا يستحيل عليها استجماع قواها. ومما يزيد الطين بلة أن أميري القصيم نفسهما لا يتفقان بينهما في سياستيهما ولهذا تضعف قواهما فتكون إمارتاهما فريسة بل لقمة سائغة لأحد الجارين الكبيرين أو الأسدين الرابضين.

ومما زادهما نفوراً، وابتعادا الواحد من صاحبه انهما اتفقا ذات سنة ليكونا يداً واحدة على

خصميهما وكان الاتفاق مؤسساً على عهود متبادلة وصلة رحم؛ فتضررا اشد الضرر إذ اضطرا إلى أن يقيما على محاربة ابن رشيد محاربة طويلة أدت إلى خسائر جليلة ختمت بأن أحد أمراء الرشيد اسر أميري القصيم بعد أن غلبهما الغلبة العظمى. ومنذ ذاك الحين لم يعودا يتفقان بل فسد ذلك العهد الذي كانا قد عقداه بينهما إذ لم يظهر له اثر البتة في هذه الأيام الأخيرة كما سيأتي ذكره في موطنه. والذي شوهد كان بخلاف ما ينتظر، أي أن الأمر كاد يفضي بينهما إلى امتشاق الحسام وحرب طويلة على ما بدا من نواجذها. إلا أن الله تداركهما برحمته فبدد أسبابها وحسم ما ثار من فتنتها فأطفأت جذوتها وزال كل خلاف بين الإمارتين وانضمت الواحدة إلى أختها وإن كان ذلك رغما عنهما في بادئ الأمر إلا أن المصلحة العامة وفائدة سكان البلدين من حقن الدماء وحفظ الأموال دعتهما إلى أن يحافظا على الوفاق والوئام إلى ما يشاء الله.

٦ - أسباب حيوية الإمارتين الكبيرتين وبقائهما.

إمارة السعود إمارة نشأت من الدين، ورضعت حليب الدين، وترعرعت بفضل الدين، وقويت بأمور الدين، وشربت وتشرب من ماء الدين، وتعيش لتقوية حقائق الدين، وبثه بين العالمين، فهي إذاً إمارة دينية اكثر منها سياسية. إذ كلمة الدين هي وحدها النافذة المرعية الشروط بين اتباعهما، وهي وحدها تقدم على ما سواها، كما أنها وحدها تسبق أمثالها بأشواط. ولذا ترى هذه الإمارة تجوز كل شيء في سبيل تعزيز الدين، وترى الدين قد أمدها بالبقاء والقوة والنشاط والحياة الطويلة. وكل عارض عرض لهدم قواها إنما أتاها عند ضعف هذه القوة قوة الدين في حكامها. فانقياد أهل هذه العمارة وخضوعهم وامتثالهم لأوامر سادتهم مبني على أن أمراءها ناصرون للدين، وعلى أن قوتهم لا تأتيهم إلا من يعد توطيد الدين في قلوبهم.

ولهذا السبب عينه يلقب أميرهم بلقب (الإمام) و (إمام المسلمين) ويدعى له على المنابر يوم الجمعة. وأهل الجنوب اشد تحمسا في الدين من أهل الشمال إذ ترى في هؤلاء من التساهل والتسامح ما لا تراه عند أهل الجنوب.

وأما إمارة الرشيد فمع كونها متمسكة بأهداب الدين المكين، إلا أن حفظ حياتها متوقف على عصبية أهلها. فهي إمارة ذات عشائر كثيرة كبيرة وافرة العدد والعدد. وتعصبهم بعضهم

لبعض أمر لا يصفه واصف وإن أطنب فيه. وإذا توفقت لأن تدخل بين ظهرانيهم يتضح لك أن كبيرهم يرى نفسه الأبية في داخل نفس أصغرهم واحقرهم؛ فهو يكرم أذل من معه كأنه أكبر القوم واجله لذا تراهم، قضهم وقضيضهم، كأنهم نفس واحدة، تعمل بعامل واحد، لغاية واحدة، وهمة رجل واحد هي همة أميرهم إذ نراهم ملتفين حوله متسابقين إلى التفاني في حب خدمته بدون مصانعة أو رياء. ويكفيك دليلاً على ما نقول أنه إذا أراد أن يغزو لا يحتاج إلى أن يبلغهم الخبر، كما يفعل سائر الأمراء في ديار جزيرة العرب، بل يكتفي بان يظهر رأيته إلى ظاهر البلد، فيراهم في ذلك اليوم متألبين حوله بدون انتظار. وأما سائر الأمراء فأنهم يرسلون إلى القبائل رسلا ويضربون لهم موعداً فيجتمعون فيه. والخلاصة أن سكان هذه الإمارة من أعجب السكان وإن الإمارة إمارة قومية وعصبية وإمارة ابن السعود إمارة دينية فليحفظ ولينظر إلى كل منهما بنظر الدقة والتدبر.

٧ - أسماء إمارة الرشيد على توالي الزمان

وقبل أن نخوض عباب البحث عن هذه الإمارة الجليلة يحسن بنا أن نضع للقارئ أسماء ما كانت تعرف في سابق العهد وفي هذه الأيام. - فهي الآن تسمى (إمارة الرشيد) وبهذا الاسم عنونا هذه المقالة. والرشيد هو اسم الجد الأعلى للبيت الذي يحكم اليوم في هذه الديار.

ومن أسمائها أيضاً (إمارة حائل) نسبة إلى عاصمة هذه الإمارة وحائل في حضيض جبل طيئ. ويقال لها أيضاً (الجبل) و (إمارة الجبل) نسبة إلى جبل طيئ السابق الذكر. ومن أسمائها أيضاً (جبل شمر) و (إمارة شمر) إضافة إلى القوم المتسمين بهذا الاسم أو إضافة إلى اسم الجبل أيضاً لأن كلاً من القوم والجبل يعرف بشمر وأما في السابق فكان لهذه الإمارة (إمارة جبل طيئ) و (إمارة اجاوسلمى) نسبة إلى الجبل أو إلى الجبلين المعروفين سابقا بالاسم الأول أو بالاسمين التاليين. - أما اليوم فلا تعرف هذه الديار إلا بالأسماء الأولى. والدولة العلية إذا خاطبت أو كاتبت أمير هذه الإمارة مخاطبة معتمدة تسميه رئيس (العمارة)، أو أمير (عشائر شمر) وأحيانا أمير (الجبل).

٨ - بيت الرشيد

الرشيد هم أهل بيت هذه الإمارة منذ قرن تقريباً. - ومن الجاري في ديار هذه الجزيرة منذ

القدم أن أهل بيت كل إمارة ينسب إلى البطن الذي منه هذه الإمارة والسبب هو أن البطون لا تتغير في أسمائها إلا إذا جاءها اسم رجل صاحبه يفوق بأعماله ومآثره من كان قبله وذلك إما بما يقع من الحوادث الكبرى والحروب العظمى التي تكون سبباً لتأسيس الدولة والإمارة وإما بمفاخر تكون له آية للسمو والتفوق على من قبله وعلى من سواه.

ولما كان جدا الأمير هو المؤسس لهذه الإمارة أضيفت إليه كما نسبت إمارة السعود إلى رئيس ذلك البيت أو تلك الإمارة.

واسم ابن رشيد الحالي هو سعود بن عبد العزيز بن متعب بن عبد الله بن رشيد

<<  <  ج: ص:  >  >>