القصاص عندهم قولهم المشهور الذي هو ابلغ كلام عندهم وأوجزه وهو القتل أنفى للقتل، غير أن القصاص عندهم لم يكن كما ورد في الشريعة النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص بل ربما قتلوا بالواحد جمعا ومن شواهد ذلك قصة كليب المشهورة والهامة عندهم طائر يتولد من روح المقتول يكون على قبره ولم يزل يصيح اسقوني اسقوني حتى يؤخذ بثاره.
ومن عقوباتهم إعطاء دية القتيل - وهي مائة من الإبل وكانوا يأنفون من أخذها ويعيرون من يرضى بها وفي ذلك شعر كثير منه قول مرة بن عدآء الفقعسي:
رأيت موالي الآلي يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب
فهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... إذا الخصم انبرى مائل الراس انكب
وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... وفي الأرض مبثوث شجاع وعقرب
فلا تأخذوا عقلا من القوم أنني ... أرى العار يبقى والمعاقل تذهب
المعاقل من عقلت المقتول إذا أعطيت ديته وحكى الأصمعي صار دمه معقلة على قومه أي صاروا يدونه وكان أخذ الدية عندهم من اشد العار كما سبق. قال قائلهم:
إذا صب ما في الوطب فأعلم بأنه ... دم الشيخ فأشرب من دم الشيخ أودعا
يقول أن الذي تشربونه من لبن الإبل التي أخذتموها في دية شيخكم إنما هو دمه تشربونه.
وقال آخر لرجل أخذ الدية تمرا:
فظل يضون التمر والتمر منقع ... بورد كلون الأرجوان سبائبه
كأنك لم تسبق من الدهر ليلة ... إذا أنت أدركت الذي كنت تطلبه
يقول من أدرك ما طلبه من الثار فكأنه لم يصب ولم يوتر وهذا بعث على طلب الدم ومثله غير أنه بعث على طلب المال:
كان الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى ... ولم يك في بؤس إذا ما تمولا
وقال آخر في التنفير عن أخذ الدية:
فلو أن حيا يقبل المال فدية ... لسقنا لهم سيلا من المال مفعما