للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البديعة الرصف، المختارة الألفاظ، الرشيقة المعاني، وفي اغلبها من الرقة والسلاسة ما لا تجدها في أكبر كتبة هذا العصر. ولا بدع في ذلك فان الكاتب وهب حظا وافرا من الصنعة الساحرة. ومن ينكرها عليه فقد أنكر على الشمس ضياءها في رائعة النهار.

على أن في تلك الازاهير خنافس سوداء. تدأب في سلبها روائحها وأطايبها وأول هذه الخنافس أنه يكتب شيئا ويريد شيئا آخر. قال في أول كلمة نقشتها أنامله في صدر كتيبه (الواقع في ١٠٠ صفحة من قطع ١٦): (يا أماه، هذه كلمات تعبر عن خوالج نفس آثارها الحس والشعور. فكان حسها داعي لذاتها، وشعورها علة المها. لهذا اهديها إليك.

فحاولنا أن نفهم ما قال. فذهب عناؤنا في الأول عبثا. ثم فكرنا بعد ذلك مليا، فاتضح لنا أنه يريد بالخوالج؛ الخواطر والهواجس أو المختلجات؛ أما الخوالج فجمع خالجة وهذه من خلجه أي جذبه وسلبه ونزعه وحركه. ثم أن العرب تخص وقوع المختلجات بالصدر لا بالنفس - وقوله أثارها الحس لا معنى له: ولعله يريد الإحساس مصدر أحس بالشيء أي ظنه ووجده وأبصره وعلمه. وإما الحس فهو الحركة وأن يمر بك قريبا فتسمعه ولا تراه، والصوت، ووجع يأخذ النفساء بعد الولادة. وبرد يحرق الكلأ، وقد حسه: احرقه فهل أراد شيئا من هذا أو هذا كله؟. - وقوله: كان حسها (أي حس الخوالج) داعي لذتها. كلام مغلق يحتاج إلى أن يطلب القارئ مفتاحه إلى من تولى إغلاقه، ولعل مراده: فكان الإحساس بها داعيا إلى التلذذ بها، وحينئذ تبدو لك في سماء المعنى سحابة ماطرة. وقوله: (وشعورها) لا

ينطق بها عربي. بل يقول: والشعور بها. وأما قوله وشعورها علة المها. فهو قد لا يكون كذلك إذ قد يشعر المرء بشيء فيتألم منه. وقد يشعر به فيستلذ به.

هذه الخنافس وجدناها في أول برعومة انفتحت لنا. فما قوله بخنافس سائر البراعيم.

وأما الصفحة الثانية التي وسمها (بصريح القول) فإننا نرى أنه لم يعنونها كما يجب. فلو جلاها بقوله: (بمغلق القول) لكان أوفق للموضوع. فلقد

<<  <  ج: ص:  >  >>