للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا اوجه نظرك إلى ما كتب التلميذ الوفي في الحاشية الأولى من ص ٣٤١ فإنه رد خرافة زرقاء اليمامة احسن رد، مما يدلك على أن عقل المحشي ليس من عقول أولئك الشيوخ العميان بصرا وبصيرة، بل ممن يزن الحقائق بمعيار النقد. وفي هذا الجزء الأول من هذا السفر الثمين غير هذه الملاحظات والإشارات وكل منا يراها في مواطنها إذا ما تصفحه عن تدبر وتفكر؛ فلنقف عند هذا الحد منه.

لننتقل الآن إلى الجزء الثاني وحسناته، فإنك تراها لا تقل عن مثلها في صنوه الأول. وما تكاد تصل إلى الصفحة ٥ منه إلاَّ وتتذكر ما يروى عن الأقدمين وهو قولهم: (أفلاطون صديقي واعظم منه صداقة الحقيقة) وحضرة السيد محمد بهجة يكاد ينطق بمثل هذا القول عند كل سطر تخطه أنامله. على أن من الناس من يتخذ هذه الحكمة دليلا له في أموره؛ لكن إذا أراد أن يضرب صديقه ضربة اتخذ لها قفازا لينا ناعما ليبلغ إلى أمنيته من غير أذى مادي، ومنهم من يتخذ كفا من حديد فليلطم صاحبه ويحطمه فلا ينال منه الإصلاح المبتغى إلاَّ كرها، أن بقي حيا وإلاَّ أورده حياض الموت. وهذا ما يفعله صديقنا الفاضل فإنه أورد في حواشي ص٥ من الأدلة ما يسكت كل معارض لكلامه أو رأيه. بخصوص البغايا في بلاد العرب كان شيخنا الآلوسي يذهب إلى وجودهن فيها وقد اعتمد في كلامه هذا على رواية ابن الكلبي وغيره. أما التلميذ فلا يقبل بهذا الرأي بل يفضل عليه رواية الكشمهيني أي أن البغاء لم يكن في الحرائر بل في الإماء. وهو رأي وجيه؛ إذ انك لا تقول حرة عن المرأة إلاَّ تتصور أنها طاهرة الذيل؛ أما الأمة فقد تكون نقية العرض وقد لا تكون وهذا هو موضوع الجدل والخلاف بين التلميذ ومعلمه.

ومما نسترعي له الأنظار أن السيد الناقد لا يرى رأي من يقيد نفسه بقيود سيبويه وسائر الأعاجم الذين أوثقوا اللسان المبين في وثق تأباها نفوسهم الحرة افتح مثلا ص٤٩ من هذا الجزء وقف على الحاشية ٢ فإنك تراه نارا آكلة لمن يحاول أن يكثر من الأغلال والسلاسل في هذه اللغة وأصحابها ولهذا تراه كثيرا

<<  <  ج: ص:  >  >>