إلى الأجانب إلاَّ في القليل. فهذه كلها وغيرها تشير إلى إن ليس لنا نهضة حقيقية بل (أوائل نهضة) لا غير.
وللصديق بعض آراء يشم منها تحقير أبناء العرب آباءنا. فقد قال مثلا في ص٢٠ (برعت البلاد الشرقية في العلوم الكلامية الجدلية التي ليس من ورائها كبير فائدة وكادت أن لا تتحرك إلى الحياة العملية. . .) قلنا - لكل علم فائدة وغاية. ولعلوم الكلام والجدل منافع
غير منافع علوم الطبيعة. ولو قال في مكان هذه العبارة: وقد اكتفى أبناء بلادنا الشرقية بعلوم الكلام والجدل ولم يعنوا بمرافق الحياة وعلوم الطبيعة لكان له عذر. وإلاَّ لماذا لا يعيب على أبناء الغرب مثل تلك العلوم التي ترى في بلادهم وكتبهم في علم الكلام والجدل تفوق بعددها ما ينشر في ربوعنا. وذكر مثل هذا المعنى في ص٥٨ وزاده به فليراجع
وقال في ص٤٠ (ويقول محبذو فكرة التعليم باللغات الأجنبية أن العلم العصري يسير مسرعا نحو الرقي لما يستجد دوما من الاختراعات والمبادئ الطبيعية والاجتماعية التي يصعب على التلميذ تتبعها باللغة العربية لقصور التعبير فيها. عدا ما يقتضي من المصارف الباهضة وعدم رواج سوق الأدب والعلم في ديارنا. هذه أدلة وجيهة، ولكنها لا تنفي أنها ضربت اللغة العربية العلمية في قلبها. إذ فقدت التأليف العلمي المطلوب من خريجيها المطلعين على نواميس النشوء والارتقاء العصرية. . .) إلى آخر ما قال.
ونحن لا نوافق الكاتب على تصويب رأي من يدعي قصور التعبير في العربية فهذا عذر يبديه الأجانب في بلادنا ليحببوا لنا لغتهم ويزينوها في عيوننا ويحقروا في نظرنا لغتنا وآدابها وقوميتها. ولو انصف المنتقدون لرأوا إن ليس من قوم في العالم يكتفي بلغته ويستغني عن غيرها مثل أبناء لغة الضاد. فإن عصر العباسيين شاهد عدل في ما نقول والمصنفات الموضوعة في كل فن وبحث ومطلب وموضوع يفند ما يزعمون. نعم إن تعلم اللغات الدخيلة واجب في عصرنا هذا للاطلاع على ما يجري في العالم، لكن تعلم اللغات الأجنبية شيء والقول بقصور العربية شيء آخر. إذا قول الكاتب (هذه أدلة وجيهة) تأييدا لزعم الفرنجة أو المتفرنجة غير وجيه البتة.