للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الكبائش التي لا يعرفها تسعة أعشار العراقيين كانت بلدة مهمة في أيام العباسيين غنية بمواردها الاقتصادية وآهلة بعشرات الألوف من السكان لأنها كانت من البلاد التي تدر على الخزينة بكثير من المال خصوصا من اتاء الثمار وأخصها العنب والزبيب. وقد كانت تعرف ب (البطائح) يومئذ ثم حمل عليها الدهر الخؤون حملة شعواء وأطلق فيها يد التدمير والتخريب حتى أصبحت أثرا بعد عين حينما اتجهت إليها مياه دجلة والفرات فغمرتها وتركتها أراضي تتلاعب بها المياه من جميع جهاتها. ونظرا إلى قرب المصاب منها ووصول الرمال التي تحملها المياه إلى مستقرها أصبح من المنتظر عمرانها بصورة عامة ولا سيما لأن الهمة مبذولة في الوقت الحاضر لأجل إصلاحها.

ورب مستغرب يستغرب هذا الاسم (الكبائش) فنقول إن كلمة الكبائش أو الجبايش كما تلفظها العامة عربية الأصل محرفة عن كبيسة بأسباب ما طرأ على اللغة من التغييرات الناشئة من احتكاك العرب بالأعاجم وغيرها والكبيسة مشتقة من (الكبس) وهو في الأصل الضغط والكبس عندنا العراقيين الزرع الذي يبذر في أرض دخلها ماء فيضان النهر أو ماء فيه غريل كثير فيرسب على وجهها راسب يصلح لزرع بعض النباتات التي تكتفي بهذا الماء من غير أن تحتاج إلى مياه الأمطار ومياه الانهار، كالسمسم والذرة (الاذرة) والهرطمان وغيرها ويسمون هذا الزرع بالكباسي وتلفظ كافها كالجيم المثلثة الفارسية وكان العرب سلفنا يسمون هذا الزرع باللحق وزان سبب قال اللغويون اللحق واحد الإلحاق وهي

مواضع من الوادي ينضب عنها الماء فيلقى فيها البذر. اه. وأشهر هذه الكبائش (برق الحمار)

وقضاء الكبائش من الاقضية التي أنشئت حديثا بالمعنى الصحيح، ونقول بالمعنى الصحيح لأنه لم تتسلط الحكومة السابقة على إنشاء هذا القضاء بالمعنى الحقيقي. وأسباب ذلك ترجع إلى قصر نظر رجال تلك الحكومة وعدم اهتمام أربابها القابضين على زمام الأمور آنئذ بما يجب اتخاذه من وسائل العمران والتهذيب ونشر ألوية السلام. فقد كان هذا القضاء محفوفا مرهبا بأمرائه وعشائره الذين خولتهم ظروف المحيط وأحواله الطبيعية أن يتمكنوا من العصيان ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>