في ديارهم فموقفهم موقف مدافع يكافح عن نفسه كلما أختلف في الأمر وناوأتهم الحكومة. ولهذا كان آل سعدون أقوياء أشداء يصعب على الحكومة تذليلهم ورضخهم. ومع إقرارنا بذلك كله علينا ألا نسهو أن ديار المنتفق لم تكن إلاَّ مشيخة تعتمد على نفسها لا على غيرها فلا تستمد قوة من ناحية أخرى وأن نابهي آل سعدون كانوا يتزاحمون على مشيخها إذ كل منهم يرى في نفسه الكفاية لمسندها. ولقد زاد موقفهم حرجاً بعد أن بدأت الحكومة بإيفاد ولاتها من الأستانة إلى العراق وعدلت عن أقطاعه للولاة مقطوع مسمى، وبعد أن تعددت الدخانيات وهي تمخر الفرات ودجلة وأن كانت الدخانيات في عهد طفولتها بالعدد والحجم وهي تحرق الأحطاب النابتة على ضفاف الرافدين لبعد منال الفحم الحجري. وجاء آل سعدون شيء آخر لم يكن في الحسبان هو مد سلك البرق فكان يطير الأخبار فأصبح هذا العصر بدخول هذه الاختراعات في العراق عصر تجدد فعل في نفوس المنتفق وآل سعدون ما تفعله اليوم الاختراعات الحديثة في النفوس ولا سيما في نفوس الأعراب.
ولما أزفت ساعة فتح ترعة السويس (١٨٦٩م - ١٢٨٦هـ) التي كان ينظر المفكرون إلى ما ستحدثه في الشرق وفي اجتماعياته واقتصادياته جاء اتفاقاً نصب مدحت باشا المعروف
بمقدرته وحنكته والياً على العراق فدخل بغداد في ١٨ المحرم سنة ١٢٨٦هـ (نيسان ١٨٦٩م) وهو يجزم على تطبيق نظام الولاية وهي أصول حديثة وضعت سنة ١٢٨١هـ (١٨٦٤م) وقد عهد إليه تطبيقها فأنصرف يسعى في انتقاء الأسباب التي توصله إلى الغاية التي يتوخاها في رفع مستوى القطر العراقي وانبرى يشوق الأهليين بهمة ونشاط للسير مع مدنية العصر. ولقد استرعى نظره اختراع البواخر والسلك البرقي فذكرهما في بحثه