ولما صفا للحكومة الجو وغدت تنام ناعمة البال مطمئنة عن هاتين الطامتين ثم إزالة حكم المماليك وأرادت أن تبدي شيئاً من الإصلاح الموعود به أخيراً في خط كلخانه تخطت إلى المشيخة في أنحاء البصرة في الجنوب والسماوة في الشمال الغربي فلم يسع آل سعدون أن يصدوها عن أرادتها فتسامحوا معها عن هذه الأصقاع حفظاً للباقي وحذراً من مصادرتها تلك الأملاك العزيزة وبعد أن فازت الحكومة فوزاً بعد فوز - رأينا منه نبذاً في مطاوي المقال - وتم لها الأمر هناك أطعمها بالباقي هذا الفوز المتعقب خطة البتر والإفراز وهو لا شك كان يجر بالمشيخة إلى الاضمحلال فلا يمسي آل سعدون إلاَّ لا علاقة لهم بلواء المنتفق بصورة باتة.
لقد عرفنا أن في العهد الأخير كانت قد قلت عند الحكومة تلك الموانع التي كانت تلجئها إلى البقاء على الحالة السابقة فتمكنت من تضييق تلك الدائرة الوسيعة. ثم ولدت الليالي العوامل الجديدة التي ذكرتها وهي: تعدد البواخر وانتظام الجنود إلى درجة وفتح ترعة السويس ومد سلك البرق فغدا آل سعدون يخافون إمكان تسلط الحكومة عنوة على ديرة المنتفق كلها لتلحق القضاء على المشيخة بما كانت قد أزالته منها سابقاً في لواء البصرة والسماوة وربما أدى تدبير الحكومة بها إلى مصادرة أملاك آل سعدون الواقعة في لواء البصرة. وهو أمر يحذره جميعهم كما كان قد خلفه الشيخ منصور بك (باشا) وغيره مراراً.
وصفوة القول عندي أن انتباه الحكومة وما ملكته من الوسائل ذلك الانتباه الذي أزال آل سعدون عن أنحاء البصرة والسماوة هو نفسه غدا يسري على ما بقي من المشيخة فيفعل فعله بالتدريج، ولو لم يكن لآل سعدون أملاك في أنحاء البصرة لخرجوا من هناك صفر الأيدي ولأنتابهم الأمر على هذا الوجه في لواء المنتفق لو لم يرضوا بالتفوض في الأرض والتصرف فيها بالطابو ولامسوا في هذا اللواء ومعهم آل شبيب لا يملكون قيد شبر وباتوا فيه غرباء لا ناقة لهم فيه ولا جمل. فقبول آل سعدون بالتفويض في الأرض والتصرف