للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما هي بنت أعوام كثيرة بعيدة ولقد رأينا أن الكوزلكلي هيأ الأرض لهذه البذرة وجاء نامق باشا فزرعها وبعد بقائها في الأرض الوقت اللازم نبتت في موسم لاءمها إذ قد أودعت العناية بالعراق إلى يد مدحت باشا العاملة وهو ذاك الرجل الذي لا حاجة إلى الإفاضة في تعريف كفايته ومقدرته، فكانت الأحوال تقضي وقوع هذا الانقلاب لا محالة شاء آل سعدون أو أبواه، ومن حسن حظهم - وعلى رأسهم ناصر باشا - أنهم أدركوا المسألة فقبلوا هذا القلب والتغيير ولم يعارضه معارض منهم. ولولا هذا التفاهم والرضا لأضاعوا بصفقة واحدة المشيخة والتفوض في الأراضي والتصرف فيها على الوجه القانوني ولعادوا يجرون ذيول الخيبة واليأس.

أما قول القائل أن تفوض آل سعدون في الأرض وتصرفهم فيها في لواء المنتفق تبعاً لقانون الأراضي ونظام الطابو قد حدد حربتهم في التمسك المشيخة فصدهم عن استعمال ما يفرضه عليهم واجبها من الدفاع عنها فأدى بهم هذا التفوض في الأرض والارتباط بها إلى فقدان المشيخة. فهو قول لا أعده وجيهاً لأنهم قبل عهد مدحت باشا بل قبل عهد الكوزلكلي كانوا مرتبطين بالأرض أريد بهذه الأرض أملاكهم الواسعة المغروسة نخلاً باسقاً تلك الأملاك التي يعرفها من له أقل المام بأملاك البصرة التي تحيط بها على مسافات بعيدة. وعلي أن أعترف أن مشيخة المنتفق لم تكن مقصورة على لواء المنتفق الحالي بل كانت تمتد إلى آخر حدود الفاو من جهته الجنوبية ومع هذا فأن تملك آل سعدون على الأرض وارتباطهم بها لم يؤد بهم إلى التخلي عن المشيخة. ولا بد للمعترض أن يتخذ هذا الإقرار حجة يدعم بها رأيه القائل بأن ارتباطهم بالأرض في لواء المنتفق هوى بهم إلى النزوح إلى المشيخة. ولكني أخالفه في ما ترتئيه إذ أني أجد أن سبب تقلص ظل المشيخة هو غير هذا. وأني لأجده في انتباه الحكومة

- ولو انتباهاً خفيفاً - بانتهازها الفرص بعد اطمئنانها من طمع جارتها فارس بالبصرة وحدود العراق وإيقاعها بالوهابيين وما أكثر المرار التي كانت تستعين الحكومة بآل سعدون وتتذرع بهم لدفع هذه الغوائل والشدائد وكانت تعرف نفسها مضطرة إلى السكوت عن آل سعدون وترغب في استمالتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>