للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أفي كل عام أنت مهدي قصيدة ... يمرق مذعور بها فالنهابل

فأن كنت فاتتك العلا يا ابن ديسق ... فدعها ولكن لا تفتك الأسافل

قال ابن بري: قال ابن خالويه: ليس أحد فسر التمريق إلاَّ أبو عمرو الزاهد قال: هو غناء السفلة والساسة. والنصب: غناء الركبان: وفي الحديث ذكر الممرق هو المغني) اهـ كلام ابن مكرم.

وقد أوردنا كل هذا الكلام ليعلم منه أن المراد بالتمريق أو المزق غناء الإماء والسفلة وأغلب هؤلاء الناس كانوا من غير العرب، لأنه كان يؤتى بالإماء من الديار المجاورة لديارهم. كما أن السفلة قوم يطرأون من بلد إلى بلد متنقلين في كل مصر وصقع، ولهذا كانوا يتغنون بأغاني الأجانب الذين كانوا يسمون هذا الغناء (المزق) (بالزاي) أي لا المرق أو التمريق، كما سرى الوهم إلى الكثيرين، إذن كان المزق ما يسميه اليوم المحدثون من الإفرنج وقد يكون في أغلب الأحيان (مخرجاً) أي تغني به جماعة، وكل واحد يذهب في غنائه مذهب صوت خاص به ومن مجموع هذه الأصوات يتقوم غناء لذيذ، أي أن هذا (المزق أو المرق المجنس أو المخرج) هو المعروف عند الفرنسيين باسم قال الزمخشري في أساسه: (مرقت السفلة والإماء تمريقاً إذا غنت، وفلان ممرق كأنه المخرج من جملة ألحان المغنين. قال:

من نوحها طوراً ومن تمريقها ... بقبقة الصالف من تطليقها. . .

ولعل معترضاً يقول: أن ورود المرق أو المزق على ألسنة الإماء أو السفلة دليل واضح على أنه غير خاص بالعرب، ولا سيما من بعد أن اطلعنا على أن النصب أو الحداء أو غيرهما خاص بهم، أما المزق فآت من غير بلادهم. وناقلوها هم هؤلاء الإماء والسفلة وفي ذلك من وضوح نسبه إلى الأعاجم ما لا يحتاج إلى دليل آخر بشهادة السلف أنفسهم.

قلنا: إننا لا ننكر دخول المزق في ديار الناطقين بالضاد من بلاد اليونان أو الناطقين بالرومية، إنما نقول أن لفظة (المزق) من أصل عربي ولعل في القدم فأحتفظ به الأجانب. ولما عاد هذا الغناء المخرج إلى واضعي الحرف نفسه حرفوه أو صحفوه جهلاً فالعود إليه أي إلى لفظ (المزق) حسن، وأما المذهب الجديد في إخراج هذا الضرب من الغناء فعائد إلى الأجانب، ولا سيما عائد إلى اليونان لأنهم اشتهروا به من عهد عهيد، ومن المعروفين به: أبلن وأرفي ولينس وأنفيون وأريون وبان

وفي كل ذلك من غرائب الأسرار ما يحير الأفكار، فسبحان من ينير وهو هو على ممر الإعصار!

<<  <  ج: ص:  >  >>