ولهذا أنكر وجوده بعض متفصحي هذا العهد، إلاَّ أن هؤلاء جهلوا أن مفردات اللسان لم تدون جميعها في تلك المعاجم. أفمن الممكن أن تحصر هذه اللغة العدنانية - وهي ذيالك البحر اللجي - في أناء صغير يسمونه المعجم. أو الديوان، أو الكتاب، أو السفر أو نحو ذلك؟ أن هذا لمستحيل.
على أن لفظة (المخابرة) بالمعنى الذي تشيرون إليه وردت في قصيدة نظم لآلئها قدم (وزان زفر) بن قادم من أبناء المائة الخامسة للمسيح أي قبل الإسلام بنحو قرنين. والقصيدة في مائة وتسعة عشر بيتاً، وقد عني بطبعها السنيور غريفيني، من مستشرقي الإيطاليين. وهذا نص البيت الذي ورد فيه ذكر هذا الحرف:
سلي يا أبنة الأقيال عني فارساً ... ولا تسألني إلاَّ خبيراً مخابراً
على أننا لا نعتقد أن تلك القصيدة صحيحة النسب إلى قائلها. ولا هي من سبك ذيالك العصر لأسباب جمة لا محل لذكرها هنا، وكنا قد عددناها لناشر بردتها رحمه الله، فسلم لنا بصحتها، على أنها مع ذلك قديمة العهد بلا ريب، هذا من جهة ورود اللفظ في سابق الزمن.
بيد أن هنالك أمراً آخر يسوغ لنا استعمال ذلك الحرف بالصيغة أو بأوزن المذكور، وهو الاشتقاق لأن السلف إذا جاز له أن يشتق (خابر) من أسم مدينة (خيبر) تلك البلدة الشهيرة
في عربة لأن اليهود سكانها أشترط عليهم البقاء بشرط القبول بالمزارعة فرضوا (راجع كتاب الخراج لأبي يوسف في ص٢٩ من طبعة بولاق وفي صفحات أخرى عديدة تتلوها) فكيف لا يجوز لنا أن نشتق مثل هذا الوزن من لفظة (الخبر) وعندنا من أوزانه الباب الأول والرابع والخامس والعاشر (أي خبر وأخبر وتخبر وأستخبر)؟
زد على ذلك أن المرادفات التي ذكروها لذلك الفعل ليست منها في شيء البتة، إذ ما يذكره المتفصحون المحدثون لا يفيد فائدة (خابر) فألفاظهم في واد، وكلمتنا في واد، ذلك ما ينطق به كل من له أدنى وقوف على اللغة ولا حاجة إلى التنبيه عليه.