للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبثا أحاول أن أهدي لوعتي ... هيهات أشفي للدموع غليلا

سخطي على (الدنيا) وأقبح هزلها ... سخط يثير تأججا وصليلا

وأنا الذي يا طالما غازلتها ... طربا، وكنت لها كذاك وصولا

مرت شرابا بعد حلو مذاقها ... وجنت على أشهى الثمار أصيلا

لم أشك قبلك من يقيني هكذا ... وكأنما صار (اليقين) مهيلا

وكأنما هذا (الوجود) بأنسه ... أمسى بداجية المصاب محيلا!

لم لا أنوح في رثائك حسرة ... أرثي لها نفسي وأرثي الجيلا؟!

ما كنت أجزع (للممات) وإن قسا ... حتى رحلت فسامني تذليلا

أرثي العصامي العظيم المبتني ... مثل (الثبات) لمن يهون ملولا

أرثي (الخلود). . . وما (الخلود) بدائم ... في صورة، بل يتبع التعديلا

ما بين إيمان به وبضده ... كم نتعب التفسير والتعليلا

رثي وأبكي والأنام جميعهم ... كالنبت يهضمه الزمان أكولا

الفيلسوف كجاهل، وكلاهما ... يفني، وما أعرف الممات ذهولا

وقليل ثأري أن مثلك فقده ... جعل (القضاء) المستعز خجولا!

وعظيم صبري أن وحيك ملهمي ... صبرا، وعلمك لم يزل منقولا

(سقراط) قبلك (والمسيح) كلاهما ... ضحكا من (الموت) الخؤون مهولا

وضحكت أنت من الأساة معزيا ... همما تناجيك المدى وعقولا!

الإسكندرية: ٢٨ يوليو سنة ١٩٢٧م

أحمد زكي أبو شادي

(لغة العرب) من وقف على هذه القصيدة العامرة الأبيات، البديعة المعاني الأخذة بالألباب، يتصور أن لآلئها رصفت في عدة أشهر. والذي أعلمنا به أحد الثقات أن صاحبها ابتدعها في ساعات مرت بين ٢٧ و٢٨ تموز (يوليو) في جلستين أو فكرتين لا غير.

ومما يجب أن تنتبه له هو أنك لا ترى في جميع أبياتها خيالا كاذبا، أو تصويرا وهميا، بل تلقى الحقيقة مبثوثة في ثنايا كلمها بثا عجيبا، وإن قيل لنا أن في وادي النيل شعراء ينظمون الشعر نظما رقيقا؛ قلنا لهم: ليس في ذلك النظيم إحساس كما في هذه الأبيات. ولا تحبس أوتار القلب كما يجسها أبو شادي، فلقد ثقل طبه للأجسام إلى عالم طب الأرواح فنبغ في الطبين النفسي والبدني. ولهذا لا نعجب من لطفي بك جمعة الأستاذ الكبير

<<  <  ج: ص:  >  >>