وغارق في سيل مرمرم ما لم تنجه رحمتك وتفرج عني بعض الفرج.
أفلا تعطف على شرخ شبابي وريعان عمري؟
نتو - ماذا داهمك اليوم حتى ألقاك في هذا اليم من الحزن والكآبة لا بل قلب فرحك حزنا ورجاءك يأسا؟ عهدي بك الغنج والدلال والفرح والمرح؟ فما سر هذا الانقلاب فيك؟
شميرام - وأي رجاء لي؟ إن المنية لا حلى لي من حياة كلها مرائر. والقبر عندي أفسح فضاء وأسعد مثوى من قصور الملوك.
نتو - سيدتي العزيزة! لقد اتخذت تبرمك حتى الآن بين الجد والهزل إذ لم أجد داعيا يثير
كوامن شجاك فالآلهة قد غمرتك بنعم كثيرة ودرت عليك إخلاف إحسانها وعوارفها. انبتتك في بيت تحسده عليك البيوت إذ له مجد مؤثل، وشرف موروث وشهرة بعيدة وثروة طائلة. وقد تك من أديم الحسن والجمال والبهجة والنضارة وزينتك بكل بديع رائع.
وأنت في بيت والدتك ربة الأمر والنهي. ولا تكادين تنبسين ببنت شفة حتى تتحقق رغباتك فما تبرمك إلا بطرا، وما حزنك إلا وليد أوهام وأشباح.
كانت شميرام تسمع هذا الكلام ساخرة. هازة رأسها هزة الاستخفاف بكل هذه النعم: ولما انتهت نتو من خطابها، أجابتها بصوت يقاطعه اليأس والأسف: وهل تجهلين يا نتو أن النعمة قد تكون حينا نقمة. ويكون الشرف الرفيع عائلا على هوى القلب. وما الغنى والحب والنسب والجمال والشبيبة إلا عوامل تقيد الإنسان إن لم تخدم رغائب النفس. فللنفس سلطان شديد الشكيمة إن لم يطع يمت الجسم نحيلا.
نتو - سيدتي: خففي عنك جزعك ففي عباراتك أحاجي وألغاز يعسر على الكهنة فك غوامضها، فأنى لي كشف أسرارها فبوحي لي بما يكنه صدرك لعلي أرشدك إلى ما يسري عنك الهم، هذا وأنا رهينة إشارتك وأطوع إليك من أناملك وأفدي حياتي لسرورك وكل ما عز علي يهون لي في سبيل رضائك.