إليهن نظرات طويلة، لا بل يتقدمون منهن ويفحصونهن فحصاً دقيقاً من قمة الرأس حتى أخمص القدم كأنهم يشترون السائمة أو الخيل.
وكانت الابنة التي تميل إلى أحد الشبان تشير إليه بغمزاتها الفتانة سراً، وتومئ إليه خلسة معربة عما يكنه فؤادها من الحب والهوى. فالجميلات منهن كن يتبخترن ويتباهين ويغازلن الرجال تائهات دلالاً وساحبات أذيال العجب آتيات سحراً حلالاً، وكانت الدميمات يخفين بلباقة خاصة بالإناث ما يذهب بتلك الدمامة فيزين وجوههن بوسائل صناعة التحسين أي بالدهن والصبغ والطلاء والكحل والخضاب، ويبتسمن ابتسامات زائفة، وحركات وسكنات كاذبة، لا تخفى على عيون الشبان الناقدين، والرجال الباصرين، حتى إنهم كانوا يسمعونهن بعض قوارص الكلام فتثور الثائرة داخلهن وتنقبض نفوسهن ألماً وجزعا من هذا الاستخفاف والاستهزاء لاعنات الطبيعة الجائرة التي حرمتهن مظاهر الجمال.
فتثاقلت شميرام في السير وهي تنظر إلى تلك السوق نظرة آسف متألم وخاطبت أمها قائلة: يؤلمني وأيم الحق حال هذه البنات اللواتي يبعن ويشترين في السوق العامة كأنهن أسيرات أو إماء (عبدات). ولا ذنب لهن سوى أنهن ولدن في طبقة العامة المعدمة، فلو كن من الطبقات العليا لما عرضن عرض السلع.
فأجابتها والدتها: ما هذه الحال فيك يا بنيتي فإنك تتبرمين من كل شيء وتنقدين المعتقدات والعادات وتنظرين إلى الدنيا وما فيها نظرة شؤم، فهل في هذا المشهد ما يؤلم أو يؤسف؟ والذي أراه أنا هو نظر كله فرح وحبور وحب وزواج وفيه تتحقق رغبات البنات والشبان وأكبر ملذات الحياة فيجب أن نضحك ونمرح في هذه السوق.
فلم تحر شميرام جواباً ولكنها لم توافق والدتها في قولها.
لندع شميرام وأمها في طريقهما ونرجع إلى بيتهما ونرى ما جرى فيه من التدابير والمؤامرات في غيابهما.
غر شيطان الطمع نتو، الخادمة الوفية والنجية المخلصة حتى اليوم فحدثتها نفسها بسوء، مدفوعة بمواعيد بيروس الخلابة. وصممت على أن تتذرع بكل