إلى هذا السفر فلو عدلت عنه أمدك بالمال اللازم للتجارة بين شمالي بابل وجنوبيها أو لتعمير أراضي آبائك وفتح الترع والجداول فيها واتخاذ الزراعة مهنة لك. هل أنت فاعل يا شمشو؟ فلم يحر جوابا بل اطرق واجما كأن على رأسه الطير. فكررت السؤال عليه. فأجابها: ما كتب كتب والرجل لا يرجع القهقرى بعد أن صمم على أمر من الأمور وإلا كان صبيا لا يعتد به وبأقواله.
فغصت شميرام بريقها. وعلت وجهها صفرة الامتعاض. وسكتت طويلا ثم التفتت إلى والدتها وقالت لها أن والدي اعلم الناس بطبع ابن أخته. . وتركت شمشو وذهبت متشاغلة في أطراف البيت. وهي تقول مالي إلا طريقة واحدة لإرجاع ابن عمتي عن رأيه ما لي إلا السحر. ليظهر السحر علمهم. ولتظهر الآلهة قدرتها. وقد علمت أن الساحرة (زخنتم) قديرة على أسر قلوب الشباب بطلاسم ولها مواد فتانة وأدعية نافذة التأثير وقطع من الصوف أو الثياب تدس بين ثياب الشاب فتغويه وتسلط عليه جنة الشغف والحب. سأزور هذه العابدة في محبسها الملاصق للهيكل وأتذرع بعلمها ووساتطها لاسود على قلب شمشو العنيد. . .
لله در من قال:(مصائب قوم عند قوم فوائد.) فما اصدق هذا الكلام على العقد الذي تم بين شمشو وأجيبي وبينما كانت شميرام تنظر إليه نظرة متشائم وتوجس منه شرا كانت حتراء تعلن به أطيب الآمال وتلوح لها منه تباشير خير وبوادر فرج. إذ تعتقد انه توطئة نجاح لزواج. ورسخ في ذهنها هذا الاعتقاد بعد أن استشارت المنجمين ومفسري الأحلام. فأكدوا لها تحقيق غايتها. ولا سيما إنها واقفة على شغف شمشو بها واتت كل الأحوال ملائمة لرغائب قلبها.
بيد أن أحد السحرة الذين استشارتهم حتراء أفزعها بنبوءاته وتكهناته عن الأهوال والبلايا التي يصادفها حبيبها في سفره هذا وأوصاها بان تزوده بالطلاسم والرقى والتعاويذ.
فأخذت طلسما وهو تمثال من الشبه (البرنز) جسمه جسم كلب، ورجلاه