هذا التنافر، وإلى السخرية أحيانا من حالة الشعر والشعراء في مصر، ويشارك العراقيين في هذه السخرية من أحوال الديار المصرية أدباء المهجر على الأخص.
لنترك الحكيم زكي أبا شادي جانبا ولننظر إلى حالة غيره من الأدباء المجددين النابهين في مصر، لأنه إذا كان لأبي شادي من ثقته بعقيدته الأدبية ومن إيمانه بفكره ومبادئه ورسالته
الإصلاحية ما يزجيه إلى الإنتاج المفيد والإنجاب المتواصل رغم ما يلاقيه من مقاومة، فهناك كثيرون من الأدباء الناشئين الصالحين يقتل مواهبهم اليأس وجمود الجمهور وتخرب الصحف التي تقفل أنهارها في وجوههم، وهكذا يخسر الأدب العصري خسارة كبيرة من ضياع إنتاجهم، ولا تغنينا فتيلا الطنطنة بذكر شوقي وحافظ والكاشف وإضرابهم من الشعراء المحافظين. . . فالدفاع عن مواهب هؤلاء الناشئين الالباء فرض واجب على (لغة العرب) وعلى غيرها من المجلات الإصلاحية النزيهة.
ومن عجائب القدر - على ذكر كتابتكم عن أبي شادي - أن وفاة زعيم النيل الكبير سعد زغلول باشا أنطقت في مصر جميع الشعراء المطبوعين والصانعين والمقلدين والناظمين العاثرين، فكان المجددون من الشعراء المصريين اسبق إلى أداء هذا الواجب القومي الأدبي من غيرهم، وكانوا أوفر عاطفة واصدق إحساسا واغرز مادة كما دلت على ذلك قصائدهم التي نشرتها الصحف المصرية فلما جاءت حفلات الأربعين لم تنشر هذه الصحف لكبار الشعراء المحافظين شيئا باهرا على الإطلاق. . . وقد نظم أبو شادي وحده طائفة من الأناشيد التلحينية والقصيد في رثاء سعد وبينها مرثيته الحائية المتناقلة التي نظمها يوم الوفاة متأججة بالعاطفة القوية وكذلك قصيدة ذكرى الأربعين، فلم يجيء شوقي بك بمعنى يبرز به معاني أبي شادي في منظوماته بل لم يتعفف كما لم يتعفف أمثاله عن الاقتباس الكثير من معانيها ومراميها، ورغم هذا لم تخجل صحيفة (الأهرام) - أحد السنة شوقي بك المعروفة - من تصديرها بمقدمة كلها شعوذة وتهريج. . . ولا شك في أن شوقي بك - في أقصى ضميره - يعلم عجزه هذا، لأنه أولا لم يرث سعدا باخلاص، وثانيا قد حاول انه يستر ضعفه هذا بستار من اللغة كأنما نود أن نقرأ في شعره منظومة (مقامات الحريري) لا صورة فنية خالدة