للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعاطفة الوطنية الحية والحسرة البالغة والألم الصادق، وبدأ - عافاه الله - قصيدته بهذا البيت العجيب:

شيعوا الشمس ومالوا بضحاها ... وانحنى الشرق عليها فبكاها!

وليس هذا من براعة الاستهلال في شيء بل العكس، وما يظن فيه مراعاة للنظير إنما هو مراعاة للسخف، لان هذا البيت في مستهل القصيدة لا يناسب مجاهدا مثل سعد زغلول ولا يدرك سامعه انه رثاء لسعد بل قد يحسبه رثاء لإحدى النساء العظيمات أو لإحدى الملكات

المحسنات، وكان الأولى به أن يترك هذا الوصف المؤنث إلى موقف آخر في القصيدة يكون انسب من هذا، ولكن ذهنه الكليل أدركه الكبر كما أفسده جنون الشهرة، فعثر في أول النظم. . . وخير ما في مقدمة قصيدته بعد ذلك المطلع المخجل منظور فيه إلى قول أبي شادي:

صبغت به حمر الورود وضرجت ... بدم بذلت مدامع لاقاح!

وتشبعت بجميل حبك غضة ... فتجاذبت بأريجها الفياح!

والقصيدة في جملتها خالية من كل جديد ولم تبلغ حتى منزلة قصيدة حافظ بك إبراهيم بين المحافظين دع عنك قصيدة عباس محمود العقاد أو قصيدة محمود عماد بين المجددين، وبعد هذا ينتقد شوقي شعر العقاد بأنه جاف كثير الثرثرة لا حياة فيه ولا حلاوة له، ويعطف على شعر الجارم الذي جاءت مرثيته في ذكرى الأربعين خالية من كل طريف مقصورة على ألفاظ مرصوفة وعلى جملة من المعاني القديمة، وإذ شاء التجديد النسبي اقتبسه من نظم غيره مثل قوله:

وعقيدة لو هزت الاجبال من ... ذعر لما اهتزت مع الاجبال!

فانه مأخوذ من قول أبي شادي منذ سنين:

تخر الراسيات ولا سبيل ... إلى هدم الكريم من اعتقاد!

وبعد كل هذا يعجب أولئك السادة المحافظون لتجنب معظم أدباء العرب - وفي مقدمتهم أدباء العراق - الاشتراك في المهازل الشوقية والمجاملات الفارغة

<<  <  ج: ص:  >  >>