للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على انه مالا يدرك كله، لا يترك جله. فكان قوامها خوط بان. في قراح من أرض لبنان. وشعرها الأسود الفاحم، يفحم كل شاعر ناظم:

اضفيرتان على بياض خدودها ... أو في كتاب الحسن سلسلتان

أو ليلتا العيدين أقبلتا معا ... أو من قصائدهم معلقتان

وكان ثغرها عبارة عن نضدين من اللآلئ الغوالي. يزيد ماءهما بريقاً بريمان من الأرجوان. أما محياها فكان آية في حسن التقطيع كأنه بيضة غضة، أو بيضة في روضة، ولونه لون السنبل إذا نضج. وكان ثوبها الأزرق. يشبها حسناً. كيف وقد:

ليست حسيناء الغوير بنفسجاً ... يا ربنا صنها عن المعيان

قد حل لون في لون الهوى ال ... عذرى بالإفرنج والسريان

وكان يجللها أزار يبرزها للناس قمراً من الأقمار، لا سكناً من سكان هذه الديار. وأما آدابها فكانت أيضاً من هذا الطراز العالي البديع فإنها كانت حليمة، وديعة كالحمامة، رقيقة الشعور والقلب، تغض من طرفها إذا مشت، ومن صوتها إذا تكلمت. وإذا جدت عليها بقطرة من الندى، كانت لك اشكر من بروقة. وهي مع ذلك في ابعد غاية من السذاجة وفي أعلى مقام من الطهر والعفاف. وهذه المناقب والخصال الحميدة كانت تزيدها حسناً وبهاءً. ولهذا كان إذا نظرها الناظر يظن انه يرى ملكا من النور، أو غادة من حور القصور. وكل الناس كانوا يقدرونها حق قدرها لهذه المحاسن الفريدة التي تحلت بها، إلا هي فإنها كانت تجهل نفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>