للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع ما في بساتينها الزاهية المحيطة بها من دواعي الأنس والسرور، وفي شوارعها الطويلة العريضة المستقيمة بواعث الانشراح والرفاهية، ترى فيها الألم سائدا، والحزن مبثوثا في أفئدة سكانها، والبؤس متمثلا في ليلها وضحاها.

في مسقط رأسي هذا شاهدت (الدرويش) لأول مرة إذ في كربلاء عدد عظيم منهم وقد لا تخلو أبدا من درويش يرن صوته رنين الجرس عند انبلاج الفجر أو عند جنوح العصر أو عند حلول الغيب، في الصحن الشريف أو في الأسواق أو في الأزقة - يرن صوته مادحا أو راثيا أو باكيا أو متباكيا ومن ثم داعيا للناس بالخير ومستجديا.

اعتقاد الناس في (الدرويش) اعتقاد حسن ومنهم من يعتقد فيه الخير والصلاح والزهد والعفاف، حتى الكرامات. والنسوة يتفاءلن برؤيته ويتهافتن على الإحسان إليه ويفرحن بدعائه وكلماته وينفحنه مبلغا من المال ليكتب (تمائم وحروزا وأدعية) لبنيهن وبناتهن. والعاقرات منهن يفزعن إليه ليدبر لهن وسيلة للحبل، وغير المتزوجات يهرولن إليه ليخط

لهن دعاء يسرع زواجهن ومنهن من تحمل ابنها الوجع أو ابنتها المريضة ليمر الدرويش يده على رأسه أو رأسها. والخرافيات الجاهلات منهن يعتقدون أن الجن طوع إرادته، ورهين إشارته إلى غير ذلك من الاعتقادات العجيبة المضحكة.

وقد عن لي عام ١٩١٨ أن أعجم عود هؤلاء الدراويش واطلع على معتقداتهم وآرائهم وإن أتفهم (نفسياتهم) واعلم سبب تفضيلهم حياة التسول والاستجداء على العمل والجد فاتصلت بكثيرين وخالطتهم طويلا فعزفت أسرارهم ورموزهم وألقابهم وشاهدت فيهم الفاضل المهذب والعفيف الورع، وشاهدت فيهم الجاهل المغفل والخبيث السفيه. كما فيهم المعتقد بتقمص الأرواح، والمؤمن بالحلول والقائل بالتناسخ، بل فيهم الملحد المتظاهر بالدين كذبا، كما فيهم المعتقد بألوهية علي بن أبي طالب (ع)، ومنهم من يعتقد بنبوته وخيانة (جبريل) لرسالته لأنه بلغ الرسول بالنبوة والرسالة بدلا من علي بن أبي طالب. وقد دونت حياة عشرة دراويش وهي ملأى بالحوادث والوقائع والاعتقادات الغريبة العجيبة.

والذي اكتبه الآن هو نتيجة تحقيقي وثمرة بحثي الطويل وهو غير مستند

<<  <  ج: ص:  >  >>