للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى كتب وأسفار، بل استقيته من الدراويش مباشرة وأخذته من أفواههم فالدرويش هذا - ولا ريب عندي - هو من صعاليك فلول المتصوفة.

واقصد بفلول المتصوفة أصحاب تلك الطرائق التي أخذت التعاليم والآداب من السنة والشيعة والإسماعيلية والباطنية والحلولية كالبكتاشية والمولوية والقزلباشية والعلوية والعلي اللاهية. والسبب الذي دعاني إلى أن أعتقد بهذا الشيء هو إنني وجدت عند درسي الدراويش وتدويني تراجم أحوالهم أن بعضهم يعتقد بالحلول وتقمص الأجسام والتناسخ كما أسلفته.

[الدرويش]

الدرويش كلمة فارسية معناها (المتسول) وهو ذلك الشخص الذي نراه أحيانا في الأسواق والشوارع منشدا شعرا بالفارسية غالبا أو العربية أحيانا في مدح آل البيت ولهذا ولأمثاله أي للدرويش المتسولين - تكية خاصة بهم يلجئون إليها في كل مساء ليتناولوا فيها طعامهم ويتحادثوا في شؤونهم برئاسة (البير) أي (الشيخ أو الرئيس) وهذا البير هو الذي يدير شؤون التكية ويعلم المريدين أو المنتسبين إلى الطريقة كيفية الاستجداء والتسول. ولبعضهم

نفوذ عظيم وكلمة مسموعة فيخضع لأمره الدراويش جميعهم ولا يترددون في تسليمه جميع ما حصلوا عليه في يومهم وهو الذي يقسم بينهم الدراهم بالسوية ويهيئ لهم الطعام.

وهؤلاء الدراويش لا يربط بعضهم ببعض رابطة فكرية أو فلسفية ولا يجتمعون على مبدأ واحد بل رابطتهم الوحيدة هي التسول والاستجداء وليس هناك شئ من الرسوم أو العوائد التي يجب أن يراعيها من يريد أن يتدروش (أي يكون درويشا) ويكفي لمن يريد أن ينظم في هذا السلك أن يكون ذا صوت شجي رخيم ويحفظ كثيرا من الشعر الفارسي في مدح آل البيت وشجاعة عند الاستجداء مع قلة حياء.

وهم متفرقون في الأقطار والمدن التي فيها مزارات مقدسة وهم اصبر خلق الله على احتمال المصائب والرزايا فلا يبالون بلفحات الحر ولا بلسعات الشمس المحرقة ولا بصولات برد الشتاء كما لا يستقرون في بلد ولا يسكنون في مدينة، كأنهم مأمورون على ذرع فضاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>