للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصطلح البغداديين لا تنقص عنها شيئا.

إلا أن لفظة (زم) عريقة في القدم أما لفظة (مترقي) فأظنها وليدة الاحتلال وذلك إنه كثر في هذا العهد تطاول الأوباش إلى ما ليس من شأنهم من مراتب سامية ما كانوا يحلمون بها، وكان أحدهم إذا هبت ريحه كبر في عين نفسه وشمخ بأنفه على أصحابه وعشرائه اللاصقين به متناسيا حقوقهم فينبزونه بقولهم (ترقى). . .

ويقول أهل الموصل للعبد الأسود خاصة إذا استشاط غضبا وحمي وطيس غيظه (زنكر) ولا يغني غناءها عندهم (غضب) ولا (زعل) ولا (شخر) ولا (نخر) ولا (ابرق) ولا (ارعد) بل الكلمة الجامعة لكل هذه المعاني هي (زنكر) وإن كنا مضطرين في الفصحى إلى أن نقيم مقامها (عربد العبد) بيد أن ذلك لا يشغل الفراغ الذي يشغله قولهم (زنكر) ومنه قولهم (. . . زنكرت بعرورة).

وإمعان النظر في الملاحظات السابقة يكفينا باعثا على التردد في ادعاء من يدعي أن الذين ترجموا رباعيات الخيام مثلا حافظوا على جميع مزاياها من جميع أطرافها.

وعلى النظر بعين الاحتياط إلى دعاة التجدد في الشعر العربي باحتذاء الإفرنج فيه ما لم يوضحوا مناهجهم ويزيحوا كل غشاوة، ويعطوا عهدا بوجوب الاحتفاظ بكرامة اللغة العربية وخصائصها الذوقية ولا مانع من تهذيب لا تشويه فيه.

وعلى النظر بعين الريبة إلى قول من يقول: أن في اللغة الفصحى نقصا لأنها تعجز أحيانا عن أداء بعض ما تجيش به صدورنا - إذا كانت غاية القائل الإعراض عنها إلى اللغة العامية - لأن كثيرا مما تجيش به صدورنا تعجز اللغة العامية عن أدائه أكثر مما تعجز اللغة الفصحى. وهكذا يقال في اللهجات العامية المتباينة وإن كانت شقائق. وفي اللغات الأجنبية أية كانت. فكل منها تعجز عن تحمل بعض ما تتحمله الأخرى من الخصائص. فمن كان على رأي هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>