بيتان أنشديهما بعض الفرس من نحو عشرين سنة:
بقبر ستان كزر كردم كم وبيش ... بديدم قبر دولتمند ودرويش
ولا أتذكر الثاني، فانهما يلامسان بيتين قالتهما العرب في القديم وهما:
نطوف ما نطوف ثم يأوي ... ذوو الأموال منا والعديم
إلى حفر اسافلهن جوف ... وأعلاهن صفاح مقيم
وقد ترجم العلامة سليمان البستاني (رح) بيتا من أبيات (الإلياذة) بقوله:
وتخفق أحشاءهم كما اللج خافق ... إذا لقي البحر الرياح السوافيا
فأصاب المحز. ومثله - كما نص عليه في الحاشية ص ٢٥٢ - قول الشنفري:
ولا خرق هيق كأن فؤاده ... يظل به المكاء يعلو ويسفل
أنشدني الشيخ بشير الغزي رحمة الله بيتا ترجمه من الفارسية وهو:
ما حمرة الياقوت إلا خجلة ... من صخرة قد ضمخت بدم الحسين
غير أني - ولكل إنسان ما يرى - لم أره موافقا للذوق العربي وإن حاز دقة في التشبيه والابتكار مع حسن السبك في التعريب. وعلى من يعرف الأصل أن يقابل بينه وبين الفرع.
وقد هدتني التجارب إلى أن الرجل في بلادنا إذا قيل له (قليل الأدب) أو (عديم الأدب) لم يكن لها في نفسه وقع كلمة (أدبسز) لأن الثانية مشربة معنى دقيقا لا تهتدي إليه الأذواق إلا إذا برزت اللفظة الدالة عليه في بزة خاصة.
ولو قيل لرجل: (متشرد) لم تبلغ في نفسه مبلغ كلمة (سرسري) التركية.
وربما اصطلح أهل مدينة على كلمة يطلقونها على معنى، أو يريدون بها مغزى، فلا يقوم مقامها كلمة أخرى، مهما حاول المتكلم أداء المعنى المطلوب بها، أو الإيماء إلى المغزى الذي يرمون إليه كإطلاق البغداديين لفظة (مترقي) على من كان حديث عهد بنعمة فأورثته غرورا، فهناك لا يسد مسد (مترقي) لفظة (مغرور) ولا (متكبر) ولا (معجب) ولا (طائش) ولا (ذو تيه) أبدا وإن كنا نعبر عن معناها في الفصحى بقولنا (شمخ بأنفه) أو (اعجب بنفسه) مثلا.
إلا أن هذا الاصطلاح وقتي لا يلبث أن ينطفئ لأنه موضعي وغير مدون. أهل الموصل يقولون إزاء ذلك (زم) وهي تؤدي مؤدى (مترقي) في